وحسبنا أن نذكر ما أصابه من قريش، فقد تألبت عليه، وجرعته ألوان الغصص، حتى اضطرته إلى مغادرة أهله وبلاده، فلما نصره الله عليهم، وأظفره بهم، لم يشكوا أنه سيثأر منهم، وينكل بهم، فما زاد أن قال لهم: ما تقولون إني فاعل بكم؟! قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم. فقال: أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم، اذهبوا فأنتم الطلقاء.
وجاء عن أنس قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وآله، وعليه برد غليظ الحاشية، فجذبه أعرابي بردائه جذبة شديدة، حتى أثرت حاشية البرد في صفحة عاتقه، ثم قال: يا محمد إحمل لي علي بعيري هذين من مال الله الذي عندك، فإنك لا تحمل لي من مالك، ولا مال أبيك. فكست النبي صلى الله عليه وآله ثم قال: المال مال الله، وأنا عبده. ثم قال:
ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي؟! قال: لا. قال: لم؟ قال: لأنك لا تكافئ بالسيئة السيئة. فضحك النبي، ثم أمر أن يحمل له على بعير شعيرا، وعلى الآخر تمرا (1).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إن يهوديا كان له على رسول الله صلى الله عليه وآله دنانير، فتقاضاه، فقال له: يا يهودي ما عندي ما أعطيك. فقال: فإني لا أفارقك يا محمد حتى تقضيني. فقال: إذن أجلس معك، فجلس معه حتى صلى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة، وكان أصحاب رسول الله يتهددونه _