أي وقد يقال لا يخالف هذا ما تقدم عن عائشة رضى الله تعالى عنها كان أبغض الحديث إليه صلى الله عليه وسلم الشعر لأن المراد بالشعر الذي يحبه ما كان مشتملا على حكمة أو وصف جميل من مكارم الأخلاق والذي يبغضه ما كان مشتملا على ما فيه هجنة أو هجو ونحو ذلك ومن ثم قيل الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح وفى الجامع الصغير الشعر بمنزلة الكلام فحسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام الشعر الحسن أحد الحمالين يكسوه الله المرء المسلم وقد قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما إذا خفى عليكم شئ من غريب القرآن فالتمسوه في الشعر فإن الشعر ديوان العرب وفى كلام سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه نعم الأبيات من الشعر يقدمها الرجل في صدر حاجته يستعطف بها قلب الكريم ويستميل بها لؤم اللئيم والحاصل أن الحق الحقيق بالاعتماد وبه تجتمع الأقوال أن المحرم عليه صلى الله عليه وسلم إنما هو إنشاد الشعر أي الاتيان بالكلام الموزون عن قصد وزنه وهذا هو المعنى بقوله تعالى * (وما علمناه الشعر) * فإن فرض وقوع كلام موزون منه صلى الله عليه وسلم لا يكون ذلك شعرا اصطلاحا لعدم قصد وزنه فليس من الممنوع منه والغالب عليه صلى الله عليه وسلم أنه إذا أنشد بيتا من الشعر متمثلا أو مسندا لقائله لا يأتي به موزونا وربما أتى به موزونا وادعى بعض الأدباء أنه صلى الله عليه وسلم كان يحسن الشعر أي يأتي به موزونا قصدا ولكنه كان كان لا يتعاطاه أي لا يقصد الإتيان به موزونا قال وهذا أتم وأكمل مما لو قلنا بأنه كان لا يحسنه وفيه أن في ذلك تكذيبا للقرآن وفى التهذيب للبغوي من أئمتنا قيل كان صلى الله عليه وسلم يحسن الشعر ولا يقوله والأصح أنه كان لا يحسنه ولكن كان يميز بين جيد الشعر ورديئه ولعل المراد بين الموزون منه وغير الموزون ثم رأيته في ينبوع الحياة قال كان بعض الزنادقة المتظاهرين بالإسلام حفظا لنفسه وماله يعرض في كلامه بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحسن الشعر يقصد بذلك تكذيب كتاب الله تعالى في قوله تعالى * (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) *
(٢٦٠)