أن بين ابتداء هجرة الصحابة وبين هجرته صلى الله عليه وسلم شهرين ونصف شهر على التحرير والله أعلم فلما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صار له شيعة أي أنصار وأصحاب من غيرهم ورأوا خروج أصحابه إليهم وأنهم أصابوا منعة لأن الأنصار قوم أهل حلقة أي سلاح وبأس حذروا أي خافوا أن يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يجمع على حربهم فاجتمعوا في دار الندوة يتاشورون فيما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت محل مشورتهم لا يقطعون أمرا الا فيها أي وهي أول دار بنيت بمكة كانت منزل قصي بن كلاب كما تقدم ثم صارت لولده عبد الدار ثم ابتاعها معاوية لما حج وهو خليفة من أولاد عبد الدار وتقدم أن معاوية إنما اشتراها من حكيم بن حزام ويدل لذلك ما جاء عن مصعب ابن عبد الله قال جاء الإسلام ودار الندوة بيد حكيم بن حزام فباعها من معاوية بن أبي سفيان بمائة ألف درهم فقال له عبد الله بن الزبير بعت مكرمة قريش فقال له حكيم ذهبت المكارم إلا التقوى يا ابن أخي إلى آخر ما تقدم وكانت دار الندوة جهة الحجر عند المقام الحنفي الآن وكان لها باب للمسجد وكان لا يدخلها عند المشورة من ولد قصي إلا ابن أربعين سنة وفي كلام بعضهم ساد أبو جهل وما طر شاربه ودخل دار الندوة وما استدارت لحيته وقد أدخلت في المسجد قيل لها دار الندوة لاجتماع الندى وهو الجماعة فيها وكان ذلك اليوم يسمى يوم الرحمة لأنه اجتمع فيه أشراف بني عبد شمس وبني نوفل وبني عبد الدار وبني أسد وبني مخزوم وبني سهم وبني جمح وغيرهم مما لا يعد من قريش ولم يتخلف من أهل الرأي والحجا أحد ثم إن إبليس جاء إليهم في صورة شيخ نجدي عليه طيلسان من خز وقيل من صوف أي وإنما فعل ذلك ليقبل منه ما يشير به لأن أهل الطيالسة في العادة من أهل الوقار والمعرفة ووقف ذلك الشيخ على الباب فقالوا له من الشيخ قال شيخ من أهل نجد سمع بالذي اجتمعتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى أن لا يعدمكم منه رأيا ونصحا قالوا أجل أي نعم فادخل فدخل معهم أي وإنما قال لهم من أهل نجد لأن قريشا قالوا لا يدخلن معكم في المشاورة أحد من أهل تهامة لأن هواهم كان مع محمد صلى الله عليه وسلم
(١٨٩)