إلا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فإنه لما هم بالهجرة تقلد بسيفه وتنكب قوسه وانتضى في يديه أسهما واختصر عنزته أي وهي الحربة الصغيرة علقها عند خاصرته ومضى قبل الكعبة والملأ من قريش بفنائها فطاف بالبيت سبعا ثم أتى المقام فصلى ركعتين ثم وقف على الحلق واحدة واحدة فقال شاهت الوجوه لا يرغم الله إلا هذه المعاطس أي الأنوف من أراد أن تثكله أمه أي تفقده أو يوتم ولده أو ترمل زوجته فليلقنى وراء هذا الوادي قال علي رضي الله تعالى عنه فما تبعه أحد ثم مضى لوجهه ثم إن أبا جهل وأخاه شقيقه الحارث بن هشام رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك يوم الفتح قدما المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة لم يهاجر فكلما عباس بن أبي ربيعة وكان أخاهما لأمهما وابن عمهما كان أصغر ولد أمه وأخبراه أن أمه قد نذرت أن لا تغسل رأسها وفي لفظ ولا يمس رأسها مشط ولا تستظل من شمس حتى تراه أي وفي لفظ أن لا تأكل ولا تشرب ولا تدخل مسكنا حتى يرجع إليها وقالا له وأنت أحب ولد أمك إليها وأنت في دين منه بر الوالدين فارجع إلى مكة فاعبد ربك كما تعبده بالمدينة فرقت نفسه وصدقهما أي واخذ عليهما المواثيق أن لا يغشياه بسوء وقال له عمر إن يريدا إلا فتنتك عن دينك فاحذرهما والله لو آذى أمك القمل امتشطت ولو اشتد عليها حر مكة لاستظلت فقال عياش أبر أمي ولي مال هناك آخذه فقال عمر خذ نصف مالي ولا تذهب معهما فأبى إلا ذلك فقال له عمر فحيث صممت فخذ ناقتي هذه فإنها نجيبة ذلول فالزم ظهرها فإن رابك منهما ريب فانج عليها فأبى ذلك وخرج راجعا معهما إلى مكة فلما خرجا من المدينة كتفاه بتخفيف التاء أي شدا يديه إلى خلف بالكتاف في الطريق أي وفي السيرة الهشامية أنه أخذ الناقة وخرج عليها معهما حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل يا أخي والله لقد استغلظت بعيري هذا أفلا تعقبني على ناقتك هذه قال بلى قال فأناخ وأناخ ليتحول عليها فلما استووا بالأرض عدوا عليه وأوثقاء رباطا ودخلا به مكة نهارا موثقا وقالا يا أهل مكة هكذا فافعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفهائنا وفي لفظ بسفيهنا فجلس بمكة مع هشام بن العاص فإنه كما تقدم منه وحبس عن الهجرة وجعل كل في قيد وفي لفظ أنهما لما ذكرا له أن أمه حلفت أن لا يظلها سقف بيت حتى تراه وأعطياه موثقا أن لا يمنعاه وان يخليا سبيله بعد أن تراه أمه فانطلق معهما حتى إذا خرجا من
(١٨٤)