لا أعصى لكما أمرا ولا أكذبكما حديثا فلما انتهت البيعة وهذه البيعة يقال لها العقبة الثانية ولما وقعت صرخ الشيطان من رأس العقبة بأشد صوت وأبعده يا أهل الجباجب أي بجيمين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة وبعد كل جيم باء موحدة وهي منازل منى وفي الهدى يا أهل الأخاشب هل لكم في مذمم والصباة معه يعني بمذمم النبي صلى الله عليه وسلم لأن قريشا كانت تقول بدل محمد صلى الله عليه وسلم مذمم ويعني بالصباة أصحابه الذين بايعوه لأنهم كانوا يقولون لمن أسلم صابيء لأن الصابىء من خرج من دين إلى دين وقد جاء ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم يسبون مذمما وأنا محمد فإنهم قد أجمعوا أي عزموا على حربكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا إزب العقبة أسمع أي عدو الله أما والله لا أفزعن وإزب بكسر الهمزة وإسكان الزاي ثم بالباء الموحدة الخفيفة وقيل بفتح الهمزة وفتح الزاي وتشديد الموحدة أي شيطان سمي بهذا الاسم المركب من المضاف والمضاف إليه عامرها والإزب في الأصل القصير ومن ثم رأى عبد الله بن الزبير رجلا طوله شبران على برذعة رحله فقال له ما أنت قال إزب قال وما إزب قال رجل من الجن فضربه على رأسه بعود سوطه فهرب وعند ذلك قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ارفضوا وفي لفظ انفضوا إلى رحالكم أقول وفي رواية لما بايع الأنصار بالعقبة صاح الشيطان من راس الجبل يا معشر قريش هذه بنو الأوس والخزرج تحالف على قتالكم ففزعوا أي الأنصار عند ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يروعكم هذا الصوت فإنما هو عدو الله إبليس وليس يسمعه أحد مما تخافون ولا مانع من اجتماع صراخ إزب العقبة وصراخ إبليس الذي هو أبو الجن ويجوز أن يكون المراد بعدو الله إبليس إزب العقبة لأنه من الأبالسة وإنه أتى باللفظين معا وقد حضر البيعة جبريل كما تقدم فعن حارثة بن النعمان رضي الله تعالى عنه لما فرغوا من المبايعة قلت يا نبي الله لقد رأيت رجلا عليه ثياب بيض أنكرته قائما على يمينك قال وقد رأيته قلت نعم قال ذاك جبريل والله أعلم
(١٧٨)