السيرة الحلبية - الحلبي - ج ١ - الصفحة ٣٨١
خمس عشرة سنة يسمع الصوت أحيانا ولا يرى شخصا وسبع سنين يرى نورا ولم ير شيئا غير ذلك وإن المدة التي بشر فيها بالنبوة كانت ستة أشهر من تلك المدة التي هي اثنان وعشرون سنة وهذا الشئ الذي كان يعلمه له إسرافيل لم أقف على ما هو والله أعلم وبعد ذلك حبب الله إليه صلى الله عليه وسلم الخلوة التي يكون بها فراغ القلب والانقطاع عن الخلق فهي تفرغ القلب عن أشغال الدنيا لدوام ذكر الله تعالى فيصفوا وتشرق عليه أنوار المعرفة فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده وكان يخلو بغار حراء بالمد والقصر وهذا الجبل هو الذي نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله إلى يا رسول الله لما قال له ثبير وهو على ظهره أهبط عني فإني أخاف أن تقتل على ظهري فأعذب فكان صلى الله عليه وسلم يتحنث أي يتعبد به أي بغار حراء الليالي ذوات العدد ويروى أولات العدد أي مع أيامها وإنما غلب الليالي لأنها أنسب بالخلوة قال بعضهم وأبهم العدد لإختلافه بالنسبة إلى المدد فتارة كان ثلاث ليال وتارة سبع ليال وتارة شهر رمضان أو غيره وفي كلام بعضهم ما قد يدل على أنه لم يختل صلى الله عليه وسلم أقل من شهر وحينئذ يكون قوله في الحديث الليالي ذوات العدد محمول على القدر الذي كان يتزود له فإذا فرغ زاده رجع إلى مكة وتزود إلى غيرها إلى أن يتم الشهر وكذا قول بعضهم فتارة كان ثلاث ليال وتارة سبع ليال وتارة شهرا ولم يصح أنه صلى الله عليه وسلم اختلى أكثر من شهر قال السراج البلقيني في شرح البخاري لم يجئ في الأحاديث التي وقفنا عليها كيفية تعبده عليه الصلاة والسلام هذا كلامه وسيأتي بيان ذلك قريبا ثم إذا مكث صلى الله عليه وسلم تلك الليالي أي وقد فرغ زاده يرجع إلى خديجة رضي الله تعالى عنها فيتزود لمثلها أي قيل وكانت زوادته صلى الله عليه وسلم الكعك والزيت وفيه أن الكعك والزيت يبقى المدة الطويلة فيمكث جميع الشهر الذي يختلي فيه ثم رأيت عن الحافظ ابن حجر مدة الخلوة كانت شهرا فكان يتزود لبعض ليالي الشهر فإذا نفد ذلك الزاد رجع إلى أهله يتزود قدر ذلك ولم يكونوا في سعة بالغة من العيش وكان غالب أدمهم اللبن واللحم وذلك لا يدخر منه لغاية شهر لئلا يسرع الفساد إليه ولا سيما وقد وصف بأنه صلى الله عليه وسلم كان يطعم من يرد عليه هذا كلامه وهو يشير فيه إلى ثلاثة أجوبة
(٣٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 376 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 ... » »»