السيرة الحلبية - الحلبي - ج ١ - الصفحة ٣٨٣
تزوجه صلى الله عليه وسلم بخديجة رضي الله تعالى عنها فكان صلى الله عليه وسلم يجاور ذلك الشهر يطعم من جاءه من المساكين أي لأنه كان من نسك قريش في الجاهلية أي في ذلك المحل أن يطعم الرجل من جاءه من المساكين وقد قيل إن هذا كان تعبده في غار حراء أي مع الانقطاع عن الناس وإلا فمجرد إطعام المساكين لا يختص بذلك المحل إلا إن كان ذلك المحل صار في ذلك الشهر مقصودا للمساكين دون غيره وقيل كان تعبده صلى الله عليه وسلم التفكر مع الانقطاع عن الناس أي لا سيما إن كانوا على باطل لأن في الخلوة يخشع القلب وينسى المألوف من مخالطة أبناء الجنس المؤثرة في البنية البشرية ومن ثم قيل الخلوة صفوة الصفوة وقول بعضهم كان يتعبد بالتفكر أي مع الانقطاع عما ذكرنا وإلا فمجرد التفكر لا يختص بذلك المحل إلا أن يدعى أن التفكر فيه أتم من التفكر في غيره لعدم وجود شاغل به وقيل تعبده صلى الله عليه وسلم كان بالذكر وصححه في سفر السعادة وقيل بغير ذلك ومن ذلك الغير أنه كان يتعبد قبل النبوة بشرع إبراهيم وقيل بشريعة موسى غير ما نسخ منها في شرعنا وقيل بكل ما صح أنه شريعة لمن قبله غير ما نسخ من ذلك في شرعنا وفي كلام الشيخ محيي الدين بن العربي تعبد صلى الله عليه وسلم قبل نبوته بشريعة إبراهيم حتى فجأه الوحي وجاءته الرسالة فالولي الكامل يجب عليه متابعة العمل بالشريعة المطهرة حتى يفتح الله له في قلبه عين الفهم عنه فيلهم معاني القرآن ويكون من المحدثين بفتح الدال ثم يصير إلى إرشاد الخلق وكان صلى الله عليه وسلم إذا قضى جواره من شهره ذلك كان أول ما يبدأ به إذا انصرف قبل أن يدخل بيته الكعبة فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله تعالى ثم يرجع إلى بيته حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله تعالى به ما أراد من كرامته صلى الله عليه وسلم وذلك شهر رمضان وقيل شهر ربيع الأول وقيل شهر رجب خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حراء كما كان يخرج لجواره ومعه أهله أي عياله التي هي خديجة رضي الله تعالى عنها إما مع أولادها أو بدونهم حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله تعالى فيها برسالته ورحم العباد بها وتلك الليلة ليلة سبع عشرة من ذلك الشهر وقيل رابع عشريه وقيل كان ذلك ليلة ثمان من ربيع الأول أي وقيل ليلة ثالثة
(٣٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 378 379 380 381 382 383 384 385 386 387 388 ... » »»