فإنه يراه على خلاف ما هو عليه فإن الحلم مأخوذ من حلم الجلد إذا فسد والرؤيا قيل إنها أمثلة يدركها الرائي بجزء من القلب لم تستول عليه آفة النوم وإذا ذهب النوم عن أكثر القلب كانت الرؤيا أصفى وذكر الفخر الرازي أن الرؤيا الرديئة يظهر تعبيرها أي أثرها عن قرب والرؤيا الجيدة إنما يظهر تعبيرها بعد حين والسبب فيه أن حكمة الله تعالى تقتضى أن لا يحصل الإعلام بوصول الشر إلا عند قرب وصوله حتى يكون الحزن والغم أقل وأما الإعلام بالخير فإن يحصل متقدما على ظهوره بزمان طويل حتى تكون البهجة الحاصلة بسبب توقع حصول ذلك الخير أكثر وهذا جرى على ما هو الغالب وإلا فقد قيل لجعفر الصادق كم تتأخر الرؤيا فقال رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه كأن كلبا أبقع يلغ في دمه فكان أي ذلك الكلب الأبقع شمرا قاتل الحسين وكان أبرص فكان تأخير الرؤيا بعد خمسين سنة وجاء عن عمرو بن شرحبيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة إذا خلوت سمعت نداء أن يا محمد يا محمد وفي رواية أرى نورا أي يقظة لا مناما وأسمع صوتا وقد خشيت أن يكون والله لهذا أمر وفي رواية والله ما أبغضت بغض هذه الأصنام شيئا قط ولا الكهان وإني لأخشى أن أكون كاهنا أي فيكون الذي يناديني تابعا من الجن لأن الأصنام كانت الجن تدخل فيها وتخاطب سدنتها والكاهن يأتيه الجني بخبر السماء وفي رواية وأخشى أن يكون بي جنون أي لمة من الجن فقالت كلا يا بن عم ما كان الله ليفعل ذلك بك فوالله إنك لتؤدي الأمانة وتصل الرحم وتصدق الحديث وفي رواية إن خلقك لكريم أي فلا يكون للشيطان عليك سبيل استدلت رضي الله تعالى عنها بما فيه من الصفات العلية والأخلاق السنية على أنه لا يفعل به إلا خيرا لأن من كان كذلك لا يجزي إلا خيرا ونقل الماوردي عن الشعبي أن الله قرن إسرافيل عليه السلام بنبيه ثلاث سنين يسمع حسه ولا يرى شخصه يعلمه الشيء بعد الشيء ولا يذكر له القرآن فكان في هذه المدة مبشرا بالنبوة وأمهله هذه المدة ليتأهب لوحيه وفيه أنه لو كان في تلك المدة مبشرا بالنبوة ما قال لخديجة ما تقدم إلا أن يقال ما تقدم إنما قاله لخديجة في أول الأمر ويدل لذلك ما قيل إنه صلى الله عليه وسلم مكث
(٣٨٠)