مقدمات تكون كالمدخل لها فمن ذلك قصة مبعثه صلى الله عليه وسلم تقدمها قصة الفيل هذا كلامه قال فلما شرع أبرهة في الذهاب إلى مكة وصل الفيل إلى أول الحرم والمواهب أسقط هذا وهو يوهم أنهم دخلوا مكة وأن الفيل برك دون البيت فليتأمل وعند وصوله إلى أول الحرم برك فصاروا يضربون رأسه ويدخلون الكلاليب في مراق بطنه فلا يقوم فوجهوا وجهه إلى جهة اليمن فقام يهرول وكذا إلى جهة الشام فعل ذلك مرارا فأمر أبرهة أن يسقى الفيل الخمر ليذهب تمييزه فسقوه فثبت على أمره ويقال إنما برك لأن نفيل بن حبيب الخثعمي قام إلى جنب الفيل فعرك أذنه وقال ابرك محمودا وارجع راشدا من حيث جئت فإنك في بلد الله الحرام ثم أرسل أذنه فبرك قال السهيلي رحمه الله الفيل لا يبرك فيحتمل أن يكون بروكه سقوطه على الأرض لما جاءه من أمر الله سبحانه ويحتمل أن يكون فعل البرك وهو الذي يلزم موضعه ولا يبرح فعبر بالبروك عن ذلك قال وقد سمعت من يقول إن في الفيلة صنفا منها يبرك كما يبرك الجمل وعند ذلك أرسل الله سبحانه وتعالى عليهم الطير الأبابيل خرجت من البحر أمثال الخطاطيف ويقال إن حمام الحرم من نسل تلك الطير فأهلكتهم وقد يقال إن هذا اشتباه لأن الذي قيل إنه من نسل الأبابيل إنما هو شيء يشبه الزرازير يكون بباب إبراهيم من الحرم وإلا فسيأتي أن حمام الحرم من نسل الحمام الذي عشش على فم الغار على ما سيأتي فيه وفي حياة الحيوان أن الطير الأبابيل تعشش وتفرخ بين السماء والأرض ولما هلك صاحب الفيل وقومه عزت قريش وهابتهم الناس كلهم وقالوا أهل الله لأن الله معهم وفي لفظ لأن الله سبحانه وتعالى قاتل عنهم وكفاهم مؤنة عدوهم الذي لم يكن لسائر العرب بقتاله قدرة وغنموا أموال أصحاب الفيل أي ومن حينئذ مزقت الحبشة كل ممزق وخرب ما حول تلك الكنيسة التي بناها أبرهة فلم يعمرها أحد وكثرت حولها السباع والحيات ومردة الجن وكان كل من أراد أن يأخذ منها شيئا أصابته الجن واستمرت كذلك إلى زمن السفاح الذي هو أول خلفاء بني العباس
(٩٩)