السيرة الحلبية - الحلبي - ج ١ - الصفحة ٤١٧
عليها إلا مرتين حين سأله أن يريه نفسه فقال وددت أني رأيتك في صورتك أي وذلك بحراء أوائل البعثة بعد فترة الوحي بالأفق الأعلى من الأرض وهذه المرة هي المعنية بقوله تعالى * (ولقد رآه بالأفق المبين) * وبقوله تعالى * (فاستوى وهو بالأفق الأعلى) * طلع جبريل من المشرق فسد الأفق إلى المغرب فخر النبي صلى الله عليه وسلم مغشيا عليه فنزل جبريل عليه السلام في صورة الآدميين وضمه إلى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه الحديث والأخرى ليلة الإسراء المعنية بقوله تعالى * (ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى) * وسيأتي الكلام على ذلك وفي الخصائص الصغرى خص صلى الله عليه وسلم برؤيته جبريل في صورته التي خلقه الله عليها أي لم يره أحد من الأنبياء على تلك الصورة إلا نبينا صلى الله عليه وسلم وذكر السهيلي أن المراد بالأجنحة في حق الملائكة صفة الملكية وقوة روحانية وليست كأجنحة الطير ولا ينافي ذلك وصف كل جناح منها بأنه يسد ما بين المشرق والمغرب هذا كلامه فليتأمل ولعله لا ينافيه ما تقدم عن الحافظ ابن حجر من أن تمثل الملك رجلا ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلا بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيسا لمن يخاطبه والظاهر أن القدر الزائد لا يزول ولا يفنى بل يخفى على الرائي فقط والله أعلم ومن حالات الوحي أي نفسه أي الموحى به لا حامله الذي هو جبريل أن الله تعالى أوحى إليه صلى الله عليه وسلم بلا وساطة ملك بل من وراء حجاب يقظة أو من غير حجاب بل كفاحا وذلك ليلة المعراج واسم الإشارة يحتمل أن يكون لنوعين وقع كل منهما ليلة الإسراء ويحتمل أن يكون نوعا واحدا وأن الأول بناء على القول بعدم الرؤية والثاني بناء على القول بالرؤية وحينئذ لا يناسب عد ذلك نوعين كما فعل الشامي ومن ثم نسب ابن القيم هذاالنوع الثاني لبعضهم كالمتبرئ منه حيث قال وقد زاد بعضهم مرتبة ثانية وهي تكليم الله تعالى له صلى الله عليه وسلم كفاحا بغير حجاب هذا كلامه لأن ابن القيم ممن لا يقول بوجود الرؤية فما زاده بعضهم بناء على القول بوجود الرؤية كما علمت وحينئذ يكون هذا ليلة المعراج وعلى هذا جاء قوله تعالى * (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا) *
(٤١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 412 413 414 415 416 417 418 419 420 421 422 ... » »»