وقد ذكر ابن السبكي في الطبقات أن كرامات الأولياء أنواع وعد منها أن يكون لهم أجساد متعددة قال وهذا الذي تسميه الصوفية بعالم المثال ومنه قصة قضيب البان وغيره أي كواقعة الشيخ عبد القادر الطحطوطي نفعنا الله تعالى به فقد ذكر الجلال السيوطي رحمه الله تعالى أنه رفع إليه سؤال في رجل حلف بالطلاق أن ولى الله الشيخ عبد القادر الطحطوطي بات عنده ليلة كذا فحلف آخر بالطلاق أنه بات عنده تلك الليلة بعينها فهل يقع الطلاق على أحدهما قال فأرسلت قاصدي إلى الشيخ عبد القادر فسأله عن ذلك فقال ولو قال أربعة إني بت عندهم لصدقوا فأفتيت أنه لا حنث على واحد منهما لأن تعدد الصور بالتخيل والتشكل ممكن كما يقع ذلك للجان وقد قيل في الأبدال إنهم إنما سموا أبدالا لأنهم قد يرحلون إلى مكان ويقيمون في مكانهم الأول شبحا آخر شبيها بشبحهم الأصلي بدلا عنه ويقال عالم المثال كما تقدم فهو عالم متوسط بين عالم الأجساد وعالم الأرواح فهو الطف من عالم الأجساد وأكثف من عالم الأرواح فالأرواح تتجسد وتظهر في صور مختلفة من عالم المثال قال وهذا الجواب أولى مما تكلفه بعضهم في الجواب عن جبريل بأنه كان يندمج بعضه في بعض أي الذي أجاب به الحافظ ابن حجر ومما يدل على وجود المثال رؤيته صلى الله عليه وسلم للجنة والنار في عرض الحائط وقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى * (لولا أن رأى برهان ربه) * بأنه مثل له يعقوب بمصر وهو بالشام ومن ذلك ما اشتهر أن الكعبة شوهدت تطوف ببعض أولياء في غير مكانها وممن وقع له ذلك أبو يزيد البسطامي والشيخ عبد القادر الجيلي والشيخ إبراهيم المتبولي نفعنا الله تعالى ببركاتهم ولعل مجئ جبريل على صورة دحية كان في المدينة بعد إسلام دحية وإسلامه كان بعد بدر فإنه لم يشهدها وشهد المشاهد بعدها إذ يبعد مجيئه على صورة دحية قبل إسلامه قال الشيخ الأكبر رضي الله تعالى عنه دحية الكلبي كان أجمل أهل زمانه وأحسنهم صورة فكان الغرض من نزول جبريل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في صورته إعلاما من الله تعالى أنه ما بيني وبينك يا محمد سفير إلا صورة الحسن والجمال وهي التي لك عندي فيكون ذلك بشرى له ولا سيما إذا أتى بأمر الوعيد والزجر فتكون
(٤١٢)