السيرة الحلبية - الحلبي - ج ١ - الصفحة ٤٢٣
وعن يحيى بن بكير قال ما خلق الله خلقا في السماوات أحسن صوتا من إسرافيل فإذا قرأ في السماء يقطع على أهل السماء ذكرهم وتسبيحهم ثم رأيت في فتح الباري ليس المراد بفترة الوحي المقدرة بثلاث سنين أي على ما تقدم ما بين نزول اقرأ ويا أيها المدثر عدم مجئ جبريل إليه بل تأخر نزول القرآن عليه فقط هذا كلامه أي فكان جبريل يأتي إليه بغير قرآن بعد مجيئة إليه باقرأ ولم يجئ إليه بالقرآن الذي هو يا أيها المدثر إلا بعد الثلاث سنين على ما تقدم ثم في تلك المدة مكث أياما لا يأتيه أصلا ثم جاءه بيا أيها المدثر فكان قبل تلك الأيام يختلف إليه هو وإسرافيل وهذا السياق كما لا يخفى يؤخذ منه عدم المنافاة بين كون مدة فترة الوحي ثلاث سنين كما يقول ابن إسحاق وسنتين ونصفا كا يقول السهيلي وسنتين كما يقول الحافظ السيوطي وبين كونها أياما أقلها ثلاثة وأكثرها أربعون كما تقدم عن ابن عباس لأن تلك الأيام هي التي كانت لا يرى فيها جبريل أصلا على ما تقدم أي ولا يرى فيها إسرافيل أيضا وفي غير تلك الأيام كان يأتيه بغير القرآن وحينئذ لا يحسن رد الحافظ فيما سبق على السهيلي وينبغي أن تكون تلك الأيام التي لا يرى فيها جبريل وإسرافيل هي التي يريد فيها أن يلقى نفسه من رؤوس شواهق الجبال وهذا السياق أيضا يدل على أن النبوة سابقة على الرسالة بناء على أن الرسالة كانت بيا أيها المدثر ويصرح به ما تقدم من قول بعضهم نبأه بقوله * (اقرأ باسم ربك) * وأرسله بقوله * (يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر) * وأن بينهما فترة الوحي وعليه أكثر الروايات وقيل النبوة والرسالة مقترنان ولعل من يقول بتلك يقول يا أيها المدثر دلت على طلب الدعوة إلى الله تعالى وهذا غير إظهار الدعوة والمفاجأة بها الذي دل عليه قوله تعالى * (فاصدع بما تؤمر) * فليتأمل وذكر السهيلي أن من عادة العرب إذا قصدت الملاطفة أن تسمى المخاطب باسم مشتق من الحالة التي هو عليها فلاطفه الحق سبحانه وتعالى بقوله * (يا أيها المدثر) * فبذلك علم رضاه الذي هو غاية مطلوبه وبه كان يهون عليه تحمل الشدائد ومن هذه الملاطفة قوله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وقد نام وترب جنبه قم يا أبا تراب وقوله صلى الله عليه وسلم لحذيفة في غزوة أحد وقد نام إلى الإسفار قم يا نومان
(٤٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 418 419 420 421 422 423 424 425 426 427 428 ... » »»