السيرة الحلبية - الحلبي - ج ١ - الصفحة ٤١١
وقول بعض العارفين وهو أبو يزيد البسطامي سبحاني ما أعظم شأني وقوله * (إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني) * وقوله وأنا ربي الأعلى وقوله أنا الحق وهو أنا وأنا هو ليس من دعوى الحلول في شيء وإنما قوله سبحاني إني أنا الله محمول على الحكاية أي قال ذلك على لسان الحق من باب حديث إن الله تعالى قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده وقوله أنا ربي الأعلى وأنا الحق الخ إنما قال ذلك لأنه انتهى سلوكه إلى الله تعالى بحيث استغرق في بحر التوحيد بحيث غاب عن كل ما سواه سبحانه وصار لا يرى في الوجود غيره سبحانه وتعالى الذي هو مقام الفناء ومحو النفس وتسليم الأمر كله له تعالى وترك الإرادة منه والاختيار فالعارف إذا إلى هذا المقام وصل ربما قصرت عبارته عن بيان ذلك الحال الذي نازله فصدرت عنه تلك العبارة الموهمة للحلول وقد اصطلحوا على تسمية هذا المقام الذي هو مقام الفناء بالاتحاد ولا مشاحة في الاصطلاح لأنه اتحد مراده بمراد محبوبه فصار المرادان واحدا لفناء إرادة المحب في مراد المحبوب فقد فنى عن هوى نفسه وحظوظها فصار لا يحب إلا لله ولا يبغض إلالله ولا يوالى إلالله ولا يعادي إلالله ولا يعطى إلا لله ولا يمنع إلا لله ولا يرجو إلا لله ولا يستعين إلا بالله فيكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وفي كلام سيدي علي رضي الله تعالى عنه حيث أطلق القول بالاتحاد في كلام القوم في الصوفية فمرادهم فناء مرادهم في مراد الحق جل وعلا كما يقول بين فلان وفلان اتحاد إذا عمل كل منهما على وفق مراد الآخر * (ولله المثل الأعلى) * هذا كلامه رضي الله تعالى عنه ورضى عنا به وهذا مقام غير مقام الوحدة المطلقة الخارجة عن دائرة العقل التي ذكر السعد والسيد أن القول بها باطل وضلال أي لأنه يلزم عليها القول بالجمع بين الضدين فقد قال بعض العلماء حضرة الجمع عبارة عن شهود اجتماع الرب والعبد في حال فناء العبد فيكون موجودا في آن واحد ولا يدرك ذلك إلا من أشهده الله الجمع بين الضدين ومن لم يشهد ذلك أنكره ويجوز أن يكون الجسد للملك متعددا وعليه فمن الممكن أن يجعل الله لروح الملك قوة يقدر بها على التصرف في جسد آخر غير جسدها المعهود مع تصرفها في ذلك الجسد المعهود كما هو شأن الأبدال لأنهم يرحلون إلى مكان ويقيمون في مكانهم شبحا آخر مشبها لشبحهم الأصلي بدلا عنه
(٤١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 406 407 408 409 410 411 412 413 414 415 416 ... » »»