السيرة الحلبية - الحلبي - ج ١ - الصفحة ١٧٦
تلك الفروع لعدم بعثة رسول إليهم فأهل الفترة وإن كانوا مقرين بالله إلا أنهم أشركوا بعبادة الأصنام فقد حكى الله تعالى عنهم ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى وقد جاء النهى عن ذلك على ألسنة الرسل السابقين ووجه التفرقة بين الإيمان والتوحيد وغير ذلك أن الشرائع بالنسبة للإيمان بالله وتوحيده كالشريعة الواحدة اتفاق جميع الشرائع عليه قيل وهو المراد من قوله تعالى * (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا) * فقد قال بعضهم المراد من الآية استواء الشرائع كلها في أصل التوحيد أي ومن ثم قال في تمام الآية * (ولا تتفرقوا فيه) * وقال * (لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) * وقال * (وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) * ومن ثم قاتل بعض الأنبياء غير قومه على الشرك بعبادة الأصنام ولو لم يكن الإيمان والتوحيد لازما لهم لم يقاتلهم بخلاف غيره من الفروع فإن الشرائع فيها مختلفة قال بعضهم سبب إختلاف الشرائع اختلاف الأمم في الاستعداد والقابلية والدليل على أن الأنبياء متفقون على الإيمان والتوحيد ما جاء أنه صلى الله عليه وسلم قال الأنبياء أولاد علات أي أصل دينهم واحد وهو التوحيد وإن اختلفت فروع شرائعهم لأن العلات الضرائر فأولادهم أخوة من الأب وأمهاتهم مختلفة وقد جاء هذا التفسير في نفس الحديث ففي بعض الروايات الأنبياء إخوة من علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد وبه يعلم ما في كلام العلامة ابن حجر الهيتمي حيث ذكر أن الحق الواضح الذي لا غبار عليه أن أهل الفترة جميعهم ناجون وهم من لم يرسل لهم رسول يكلفهم بالإيمان بالله عز وجل فالعرب حتى في زمن أنبياء بني إسرائيل أهل فترة لأن تلك الرسل لم يؤمروا بدعايتهم إلى الله تعالى وتعليمهم الإيمان قال نعم من ورد فيه حديث صحيح من أهل الفترة بأنه من أهل النار فإن أمكن تأويله فذاك وإلا لزمنا أن نؤمن بهذا الفرد بخصوصه قال وأما قول الفخر الرازي لم تزل دعوة الرسل إلى التوحيد معلومة فجوابه أن كل رسول إنما أرسل إلى قوم مخصوصين فمن لم يرسل إليه لا يعذب وجواب ما صح من تعذيب أهل الفترة أنها أخبار آحاد فلا تعارض القطع أو يقصر التعذيب على ذلك الفرد بخصوصه أي حيث لا يقبل التأويل كما تقدم هذا كلامه
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»