[وقد روى عبد الرزاق عن معمر، عن زيد بن أسلم، أن النمرود كان عنده طعام، وكان الناس يفدون إليه للميرة، فوفد إبراهيم في جملة من وفد للميرة] (1) ولم يكن اجتمع به إلا يومئذ (2) فكانت بينهما هذه المناظرة. ولم يعط إبراهيم من الطعام كما أعطى الناس، بل خرج وليس معه شئ من الطعام.
فلما قرب من أهله عمد إلى كشيب من التراب، فملا منه عدليه وقال: أشغل أهلي إذا قدمت عليهم. فلما قدم وضع رحاله وجاء فاتكأ فنام، فقامت امرأته سارة إلى العدلين فوجدتهما ملآنين طعاما طيبا، فعملت منه طعاما. فلما استيقظ إبراهيم وجد الذي [قد (3)] أصلحوه، فقال: أنى لكم هذا؟ قالت: من الذي جئت به، فعرف أنه رزق رزقهموه الله عز وجل.
قال زيد بن أسلم: وبعث الله إلى ذلك الملك الجبار، ملكا يأمره بالإيمان بالله فأبى عليه، ثم دعاه الثانية فأبى عليه ثم دعاه الثالثة فأبى عليه وقال: أجمع جموعك وأجمع جموعي.
فجمع النمرود جيشه وقت طلوع الشمس، فأرسل الله عليه ذبابا من البعوض بحيث لم يروا عين الشمس وسلطها الله عليهم فأكلت لحومهم ودماءهم، وتركتهم عظاما بادية، ودخلت واحدة منها في منخر الملك فمكثت في منخره أربعمائة سنة! عذبه الله تعالى بها. فكان يضرب رأسه بالمرازب في هذه المدة كلها، حتى أهلكه الله عز وجل بها.