وذكروا أن نمرود هذا استمر في ملكه أربعمائة سنة. وكان طغى وبغى، وتجبر وعتا، وآثر الحياة الدنيا.
ولما دعاه إبراهيم الخليل إلى عبادة الله وحده لا شريك له، حمله الجهل والضلال وطول الآمال على إنكار الصانع، فحاج إبراهيم الخليل في ذلك، وادعى لنفسه الربوبية. فلما قال الخليل: " ربى الذي يحيى ويميت، قال انا أحيى وأميت ".
قال قتادة والسدي ومحمد بن إسحاق: يعنى أنه إذا أتى بالرجلين قد تحتم قتلهما، فإذا أمر بقتل أحدهما وعفا عن الآخر فكأنه قد أحيا هذا وأمات الآخر.
وهذا ليس بمعارضة للخليل، بل هو كلام خارج عن مقام المناظرة، ليس بمنع ولا بمعارضة، بل هو تشغيب محض، وهو انقطاع في الحقيقة; فإن الخليل استدل على وجود الصانع بحدوث هذه المشاهدات من إحياء الحيوانات وموتها، على وجود فاعل. ذلك الذي لابد من استنادها إلى موجوده، ضرورة عدم قيامها بنفسها. ولا بد من فاعل لهذه الحوادث المشاهدة، من خلقها وتسخيرها، وتسيير هذه الكواكب والرياح والسحاب والمطر، وخلق هذه الحيوانات التي توجد مشاهدة، ثم إماتتها. ولهذا قال إبراهيم: " ربى الذي يحيى ويميت ".
فقول هذا الملك الجاهل: " أنا أحيى وأميت " إن عنى أنه الفاعل لهذه المشاهدات فقد كابر وعاند. وإن عنى ما ذكره قتادة السدى ومحمد بن