الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٦٩٧
ارتفع الفسطاط، فإذا أنا بسيدي مدرج في أكفانه فوضعته على نعشه ثم حملناه، فصلى عليه المأمون وجميع من حضر، ثم جئنا إلى موضع القبر فوجدتهم يضربون المعاول من فوق قبر هارون الرشيد ليجعلوه قبلة لقبره، والمعاول تنبو.
فقال: ويحك يا هرثمة ما ترى كيف تمتنع من حفر قبر له؟ فقلت: لم يا أمير المؤمنين إنه قد أمرني أن أضرب معولا واحدا في قبلة قبر أبيك الرشيد لا أضرب غيره.
قال: إذا ضربت يا هرثمة تكون ماذا؟ فقلت: أخبرني أنه لا يجوز أن يكون قبر أبيك قبلة لقبره، وأنني إذا ضربت هذا المعول الواحد يصير القبر محفورا من غير يد تحفره ويأتي ضريح في وسطه. قال المأمون: سبحان الله ما أعجب هذا الكلام، ولا عجب من أمر أبي الحسن، فاضرب حتى نرى.
قال هرثمة: فأخذت المعول بيدي فضربت في قبلة قبر هارون، قال: فانفرج القبر محفورا وان الضريح في وسطه قائم، والناس ينظرون إليه قال: أنزله يا هرثمة. فقلت: يا سيدي أنه قد أمرني ألا أنزله حتى ينفجر من أرض هذا القبر ماء أبيض فيمتلئ به القبر مع وجه الأرض، ثم تظهر فيه حوت بطول القبر، فإذا غاب الحوت وغار الماء وضعته على جانب قبره وخليت بينه وبين ملحده. قال: فافعل يا هرثمة ما أمرت. وقال: فانتظرت حتى ظهر الماء والحوت، وانتظرت الحوت حتى غاب وغار الماء، والناس ينظرون، ثم جعلت النعش إلى جانب القبر، وتسجف من فوقه سجف أبيض لم أبسطه، ثم انزل إلى القبر بغير يدي ولا أحد ممن حضر. فأشار المأمون إلى الناس أن هاتوا بأيديكم فاطرحوا فيه التراب فقلت: لا تفعل يا أمير المؤمنين. فقال: ويحك فيما يملأ؟ فقلت: قد أمرني أن لا يطرح عليه التراب وأن القبر يمتلئ من نفسه ويطبق ويرتفع على وجه الأرض.
قال: فأشار إلى الناس أن كفوا. قال: فرموا ما في أيديهم من التراب، ثم امتلأ القبر وانطبق وتربع على وجه الأرض. وانصرف المأمون وانصرفنا.
قال: فدعاني المأمون وأخلى مجلسه، ثم قال: والله يا هرثمة لتصدقني بجميع
(٦٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 692 693 694 695 696 697 698 699 701 703 704 ... » »»