الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٦٠٥
بدينه ونبيه محمد (صلى الله عليه وآله) لا أعفيك. ثم أومأ إلى شيخ من بني أمية أن أعطيه قوسك، فتناول أبي عند ذلك قوس الشيخ، ثم تناول منه سهما فوضعه في كبد القوس، ثم رمى وسط الغرض، ثم رمى فيه الثانية فشق فوق سهمه إلى نصله، ثم تابع الرمي حتى شق تسعة أسهم بعضها في جوف بعض، وهشام يضطرب في مجلسه، فلم يتمالك أن قال: أجدت يا با جعفر وأنت أرمى العرب والعجم وزعمت أنك قد كبرت عن الرمي. ثم أدركته ندامة على ما قال، وكان هشام لم يكد أحدا قبل أبي ولا بعده، فهم به وأطرق إطراقة يتروى فيه، وإني وأبي واقف حذاه مواجها له وأنا وراء أبي. فلما طال وقوفنا بين يديه غضب أبي فهم به، وكان أبي (عليه السلام) إذا غضب نظر إلى السماء نظر غضبان، فلما نظر هشام إلى ذلك من أبي قال له: إلي يا محمد، فصعد أبي إلى السرير وأنا أتبعه، فلما دنا من هشام قام إليه فاعتنقه وأقعده عن يمينه، ثم اعتنقني وأقعدني عن يمين أبي، ثم أقبل على أبي بوجهه فقال له:
يا محمد لا تزال العرب والعجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلك، لله درك من علمك هذا الرمي؟ وفي كم تعلمته؟ أيرمي جعفر مثل رميك؟ فقال: إنا نحن نتوارث الكمال والتمام.
قال: فلما سمع ذلك من أبي انقلبت عينه اليمنى فاحولت واحمر وجهه، وكان ذلك علامة غضبه إذا غضب، ثم أطرق هنيهة ثم رفع رأسه فقال لأبي: ألسنا بنو عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد؟ فقال أبي: نحن كذلك، ولكن الله جل ثناؤه اختصنا من مكنون سره وخالص علمه بما لم يخص به أحدا غيرنا.
فقال هشام: أليس الله جل ثناؤه بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) من شجرة عبد مناف إلى الناس كافة أبيضها وأسودها وأحمرها، من أين ورثتم ما ليس لغيركم ورسول الله (صلى الله عليه وآله) مبعوث إلى الناس كافة، وذلك قول الله تعالى: * (ولله ميراث السماوات والأرض) * (1) إلى آخر الآية فمن أين ورثتم هذا العلم وليس بعد محمد (عليه السلام) نبي ولا أنتم أنبياء؟ فقال له أبي: من قوله تبارك وتعالى لنبيه (عليه السلام): * (لا تحرك به

(٦٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 599 600 601 603 604 605 606 607 608 609 610 ... » »»