وقالوا لي تبايع (1) وإلا قتلناك فما كنت أرى بدا من دفعهم عن نفسي، وذاك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أوعز إلي قبل وفاته وقال: إن الأمة ستغدر بك من بعدي وتنقض عهدي فيك، وإنك مني بمنزلة هارون من موسى ومن اتبعه، وهم كالسامري ومن اتبعه، ولي في أخي هارون أسوة إذ قال: * (يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) * (2) ولقد شاورت في هذا الأمر أهل بيتي فأبوا علي إلا السكوت لما علموا من وغر صدورهم، فانطلقوا إلى الرجل الآن بأجمعكم فعرفوه قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليكن أوكد للحجة.
فانطلق القوم حتى أحدقوا بالمنبر وكان يوم الجمعة، فلما صعد أبو بكر المنبر قال المهاجرون للأنصار: قوموا وتكلموا. فقال الأنصار: بل أنتم قوموا وتكلموا فإن الله عز وجل قدمكم في كتابه وهو قوله تعالى: * (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار) * (3) فعند ذلك قام من المهاجرين خالد بن سعيد بن العاص الأموي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أبا بكر اتق الله تعالى وانظر ما تقدم لعلي بن أبي طالب، أما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لنا ونحن محدقون به وأنت معنا في غزوة بني قريضة وقد قتل علي (عليه السلام) عدة من رجالهم: " يا معاشر قريش إني موصيكم فاحفظوها عني ومودعكم أمرا فلا تضيعوه، إن علي بن أبي طالب إمامكم من بعدي وخليفتي فيكم، وبذلك أوصاني جبرئيل (عليه السلام) عن الله عز وجل، فإن لم تقبلوا وصيتي ولم توادوه ولم تنصروه اختلفتم في أحكامكم واضطرب عليكم دينكم ودنياكم وولي عليكم شراركم، بذلك خبرني جبرئيل (عليه السلام) عن الله عز وجل، ألا وإن أهل بيتي الوارثون لأمري القائمون بأمر أمتي، اللهم من أطاعني في أهل بيتي وحفظ فيهم وصيتي اللهم احشره في زمرتي، ومن عصاني فيهم وضيع وصيتي اللهم أحرمه الجنة ".