في الحديد ونحبسه عندك فإن أمسك عنك أخوه وبعث إليك بالرضى وإلا قدمت هذا وضربت عنقه.
فقال محمد: سبحان الله أو يكون الذي ذكرت إلا من أعمال الجبارين وأهل الغدر، معاذ الله أن نقتل من لم يقتلنا أو أن نبدأ بقتال من لم يقاتلنا. ثم قال لعروة:
قل لأخيك عني إنك قد ذكرت أنه قد استوسق لك الناس وفتحت لك البلاد وهذا عبد الملك بن مروان حي قائم يدعى له بالشامات كلها وأرض مصر وفي يده مفاتيح الخلافة، ولست أدري ما يكون من الحدثان، فإذا علمت أنه ليس أحد يناوئك في سلطانك بايعتك ودخلت في طاعتك والسلام.
قال: فرجع عروة إلى أخيه عبد الله وأخبره بذلك.
قال: ثم قام محمد بن الحنفية في أصحابه خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وقال:
أيها الناس إن هذه الأمة قد ضلت عن رسول ربها (صلى الله عليه وآله)، وتاهت عن معالم دينها إلا قليلا منها، منهم يرتعون في هذه الدنيا حتى كأنهم لها خلقوا، وقد نسوا الآخرة حتى كأنهم بها لم يؤمروا، فهم يقتلون على الدنيا أنفسهم، ويقطعون فيها أرحامهم، ويفرطون بها عن سنة نبيكم، ولا يبالون ما أتوه فيها من نقص دينهم إذا سلمت لهم دنياهم. اللهم فلا تنسنا ذكرك، ولا تؤمنا مكرك، ولا تجعل الدنيا لنا هما، ولا تحرمنا مصاحبة الصالحين في دار السلام.
قال: ثم أقبل على أصحابه فقال لهم: إني أرى ما بكم من الجهد ولو كان عندي فضل لم أدخره عنكم، وقد تعلمون ما ألقى من هذا الرجل، الذي قرب داره وأساء جواره، وظهرت عداوته، واشتدت صعدته، يريد أن يثور إلينا في مكاننا هذا، وقد أذنت لمن أحب منكم أن ينصرف إلى بلاده فإنه لا لوم عليه مني، وأنا مقيم في هذا الحرم أبدا حتى يفتح الله لي وهو خير الفاتحين.
قال: فقام إليه أبو عبد الله الجدلي وكان من خيار أصحابه وقال: سبحان الله يا أبا القاسم نحن نفارقك على هذه الحالة وننصرف عنك، لا والله ما سمعنا إذن ولا أبصرنا، ولسنا مفارقيك ما نقلتنا أقدامنا وثبتت قوائم سيوفنا في أكفنا وعقلنا عن الله أمرنا ونهينا.