مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (ع) - محمد بن طلحة الشافعي - الصفحة ٣٤٩
باقترابه، والتقدم والتأخر يرتاد من اغضائه وأغضابه، وهو خليفة رسول الله (ص) في أمته لإقامة أحكامه وآدابه، وكان الحسن (عليه السلام) قد تقلد بعقد انعقادها واستبد بعقد إيجادها، وارتدى بمفوف (1) أبرادها، وبايعته سيوف لا تقر في أغمادها، وتابعته ألوف لا تفر يوم جلادها، وشايعته من قبائل القبائل نفوس آسادها، واشتملت خريدة جيشه على أربعين ألفا كل يعد قتله بين يديه شهادة، ويعتقد قيامه بطاعته عبادة، ويرى كونه من أنصاره وشيعته إقبالا وشهادة، فبينا هو في إقبال أيامها يأمر وينهى وقد أحاط بحال مقامها حقيقة وكنها، فجادله التأييد الرباني حالة لم يدركها سواه ولم يستبنها، فجاد بالخلافة على معاوية وسلمها إليه وخرج عنها، وتكرم بها وحرمها نفسه الشريفة فانسلخ منها، فلا جرم باعتبار هذه الحال وما أسداه (عليه السلام) من الجود والنوال، وما أبداه من التكرم والأفضال، اعترف له معاوية على رؤوس الأشهاد في غصون المقال، فقال له: يا أبا محمد لقد جدت بشئ لا تجود به أنفس الرجال (2).
ولقد صدق معاوية فيما ذكره عقلا ونقلا، وعظم ما أسداه إليه الحسن (عليه السلام) جودا وبذلا، فإن النفوس تتنافس في زينة (3) الدنيا ومتاعها قولا وفعلا، وتحرص على إحرازها واقتطاعها حرما وحلا، وترتكب إلى اكتساب محاب حطامها حزنا وسهلا، ويستعذب في إدراك مناها منها أسرا وقتلا.
وعلى الجملة:
تنبيه وإيقاظ...
فهي معشوقة على الغدر لا * تحفظ عهدا ولا تتم وصلا

١ - برد مفوف: اي رقيق وفيه خطوط بيضاء - الصحاح ٤: ١٤١٢.
٢ - قال هذا الكلام معاوية للإمام الحسن (عليه السلام) فكان جواب الإمام الحسن (عليه السلام) أن قام فخطب: أن أكيس الكيس.... وستأتي في ص ٣٣، انظر: الفتوح لابن أعثم ٤: ٢٩٥، أنساب الأشراف 3: 43 / 15.
3 - في نسخة (ع): رتبة.
(٣٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 ... » »»