حتى قالوا: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش، وإن كنت تريد الصيت والاسم فنحن الذين أمر الله تعالى بالصلاة علينا في الصلوات المفروضة بقول: (اللهم صل على محمد وآل محمد) فنحن آل محمد، خل عن الحمار ".
فخلى عنه ويده ترعد، وانصرف بخزي، فقال له عبد العزيز: ألم أقل لك؟! (1) وروي عن أبي حنيفة النعمان بن ثابت قال: دخلت المدينة فأتيت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام فسلمت عليه، وخرجت من عنده فرأيت ابنه موسى عليه السلام في دهليزه قاعدا في مكتبه وهو صغير السن، فقلت:
أين يضع الغريب إذا كان عندكم إذا أراد ذلك؟
فنظر إلي ثم قال: " يجتنب شطوط الأنهار، ومساقط الثمار، وأفنية الدور، والطرق النافذة، والمساجد، ويرفع ويضع بعد ذلك أين شاء ".
فلما سمعت هذا القول نبل في عيني وعظم في قلبي، فقلت له:
جعلت فداك، ممن العصية؟
فنظر إلي ثم قال: " إجلس حتى أخبرك "، فجلست فقال: " إن المعصية لا بد أن تكون من العبد، أو من ربه، أو منهما جميعا، فإن كانت من الرب فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ويأخذه بما لم يفعله، وإن كانت منهما فهو شريكه والقوي أولى بإنصاف عبده الضعيف، وإن كانت من العبد وحده فعليه وقع الامر وإليه توجه النهي وله حق الثواب والعقاب، ولذلك وجبت له الجنة والنار ".