دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو ابن عشر سنين، وقبل منه الاسلام، وحكم الله له به، ولم يدع أحدا في سنه غيره، وبايع الحسن والحسين عليهما السلام وهما ابنا دون الست سنين ولم ببايع صبيا غيرهما، فإنهم ذرية بعضها من بعض، يجري لاخرهم ما يجري لأولهم.
قالوا: صدقت يا أمير المؤمنين. ثم نهض القوم.
فلما كان من الغد أحضر الناس، وحضر أبو جعفر عليه السلام، وصار القواد والحجاب والخاصة والعمال لتهنئة المأمون وأبي جعفر، فأخرجت ثلاثة أطباق من الفضة فيها بنادق مسك وزعفران معجون، في أجواف تلك البنادق رقاع مكتوبة بأموال جزيلة وعطايا سنية واقطاعات، فأمر المأمون بنثرها على القوم من خاصته، فكل من وقع في يده بندقة أخرج الرقعة التي فيها والتمسه فأطلق له، ووضعت البدر فنثر ما فيها على القواد وغيرهم، وانصرف الناس وهم أغنياء بالجوائز والعطايا، ولم يزل مكرما لأبي جعفر عليه السلام يؤثره على ولده وجماعة أهل بيته (1).
ولما انصرف أبو جعفر عليه السلام من عند المأمون ببغداد ومعه أم الفضل إلى المدينة، صار إلى شارع باب الكوفة والناس يشيعونه، فانتهى إلى دار المسيب عند مغيب الشمس، فنزل ودخل المسجد، وكان في صحنه نبقة لم تحمل بعد، فدعا بكوز فيه ماء فتوضأ في أصل النبقة وقام وصلى بالناس صلاة المغرب، فقرأ في الأولى (بالحمد) و (إذا جاء نصر الله) وفي الثانية (بالحمد) و (قل هو الله أحد) وقنت قبل الركوع، وجلس بعد التسليم