رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٣٤
البديهي أن نفهم أن اختيار طرف المباهلة المذكور هو اختيار إلهي، ومن قبيل تماسك الأحكام الإلهية وتصديق بعضها، ثم إن ضرب يوم للمباهلة، واستقطاب ذلك الحشد الكبير من الناس، ما هو إلا - في أهم جوانبه - من قبيل إقامة الحجة على السامعين والمشاهدين ومن بلغ.
والسؤال الذي يدعو للتفكير والتدبير هو: لماذا لم يدع الرسول بقية بناته وأزواجهن؟ ولماذا لم يدع الرسول زعامة قريش التي تصدرت قيادة الأمة؟ ولماذا اقتضت الحكمة أن تكون هذه الحادثة مشهودة من فئات تمثل الديانات السماوية الثلاثة ؟ وأول ما يتبادر إلى الذهن - جوابا على هذه التساؤلات - هو أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يميز أهل بيت النبوة عن سواهم، وأن يعرف الناس بصفوة الصفوة، فيحدد النقطة المركزية لدائرة الأمة، وللدائرة العالمية، ويحدد العلم الذي يلتف الناس حوله، تبارك الله الحكيم العليم.
سادة العالم وأئمة الهدى الطاهرون (ع).
الأمة الإسلامية مجمعة على أن محمدا (ص) هو سيد ولد آدم ورسول الله الذي اختاره، وهي مجمعة على أن فاطمة البتول هي ابنة النبي، وسيدة نساء العالمين، وأن زوجها هو ابن عم النبي، وفارس الإسلام الأوحد، ورباني هذه الأمة، ووليها ومولاها، وسيد العرب، وسيد المسلمين، بالنص الشرعي، وقد وثقنا ذلك وسنوثقه.
وقد أمر الله نبيه أن يزوج عليا فاطمة ليخرج من هذين الزوجين ذرية النبي المباركة، وحصر الله تعالى ذرية النبي بمن يخرج من هذين الزوجين: لأن الأمة الإسلامية خاصة، والعالم عامة، سيحتاج بالضرورة إلى قائد وحاكم، أو إمام أو مرجع في كل زمان، ومن مصلحة العالم - وبكل المقاييس - أن يقوده الأفضل والأعلم والأطهر والأتقى الذي تأمن الناس بوائقه، وتطمئن إلى نقائه، توفيرا على الأمة مشقة البحث والعناء والتحري عن بغيتها التي تريد، فأول ما ينبغي على الأمة المسلمة هو التحري إن كان في ذرية محمد، عمن هو أهل للقيادة أو الإمامة، أو المرجعية: لأن ذرية محمد هي القاسم المشترك بين الجميع، وبالضرورة فيها المؤهل إلهيا لقيادة الأمة، وبيان القرآن الكريم، والإحاطة بمعرفة السنة النبوية الشريفة، ومعرفة الشرع معرفة قائمة على الجزم واليقين: لأنهم ورثوا علوم النبوة من أبيهم رسول الله (ص)، ونصوص الشرع الحنيف، وما تواتر عن النبي يثبت بما لا يدع مجا للشك، بأن الله تعالى لم يترك الأمر سدى، وإنما أقام للناس في كل زمان علما يهتدون إليه، ومرجعا يدركون الهدى به، والخلاصة أنه في كل زمان من الأزمان يجب أن يتوافر بالضرورة سيد من تلك الذرية المباركة، مؤهل من جميع الوجوه لقيادة العالم.
إن بيت عبد المطلب هو خير البيوت بنص الشرع كما وثقنا، وهو بيت النبي المبارك، والبطن الهاشمي هو خير البطون بنص الشرع، وهو بطن النبي كما هو معروف بالبداهة، فأهل بيت النبوة لا ينبغي بالضرورة أن يخرجوا عن هاتين الدائرتين، فأهل البيت شرعا هم هؤلاء أو
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»