فلن تصدق أنك كنت فوق هذا العملاق الذي يرتفع 1250 قدما فوق سطح الأرض، ولا يستغرق المصعد الكهربائي للصعود من أسفلها إلى أعلاها أكثر من ثلاث دقائق!! وبعد مشاهدة هذه العمارات والمظاهر تذهب إلى النوادي وتشاهد الرجال والنساء يرقصون ملتصقين..
وتفكر ما أسعد هؤلاء الناس!، ثم تأوي إلى مقاعد تشاهد الرقص المثير، ولن تقضي وقتا طويلا حتى تأتيك حسناء من هؤلاء القوم، وتجلس على المقعد المواجه لمقعدك، انها تبدو كئيبة، فتسألك دون مقدمات:
؟ أيها السائح، هل أنا قبيحة المنظر؟.
؟ انني لا أرى ذلك..
؟ ولكنني أفهم أنني فقدت روعة الجمال، أليس كذلك؟.
؟.. لا في رأيي أنك تملكين الكثير من الفتنة وروعة الجمال.
؟ شكرا أيها السائح الكريم! ولكن الشبان لا يبالون بي، ولا يواعدونني. لقد أصبحت الحياة بالنسبة إلى مملة موحشة...
ان ما رأيته في نيويورك لم يكن الا منظرا مقتضبا من مسرحية الانسان في العصر الحديث.
لقد أقامت العلوم والتكنولوجيا أبنية شامخة، ولكنها نزعت السعادة من قلوب ساكنيها، انها أقامت مصانع تتحرك بآلات هائلة، ولكنها حرمت عمالها الراحة التي يطمحون إليها، وهذه هي نتيجة التاريخ العلمي والتكنولوجي. فكيف بنا آذن نطمح ونتوقع عالما يسوده السلام والسعادة، من صنع التكنولوجيا؟!.
* * * (ب) الضرورة الأخلاقية:
وعندما ندرس المسألة من الوجهة الأخلاقية نرى أنه لا بد من الآخرة، فان التاريخ الانساني لن يكون له أي معنى بدونها.
ان فطرة الانسان تميز بين الخير والشر، والصالح والطالح، والظلم والعدل، وهذه الفطرة هي التي تميز الانسان عما سواه، ولكن ها هو ذا الانسان الذي كرمه ربه، يهدر فطرة الله أكثر ممن لا يتمتعون بها، انه يظلم بني جنسه، يقتلهم ويشردهم، ويوجه إليهم كل شر مستطاع..
ان الحيوانات لا تظلم فصائلها، فالأسد ليس في الأسود أسدا، والنمر ليس في العرين نمرا.. ولكن الانسان أصبح يفترس إخوانه، حتى الأقربين منهم، مما لا يوجد له مثيل في قانون الغابة..