الإسلام يتحدى - وحيد الدين خان - الصفحة ٩٣
لم تحل في أحد نماذج اللورد المادية! ان مثل هذه المواقف والادعاءات الخرافية أصحبت غريبة في عالم الطبيعة الحديثة. ويتساءل العالم الكبير (سوليفان):
كيف يروق لاحد أن يدعي أن الطبيعة لابد أن تكون كما يضعها مهندس القرن التاسع عشر في معمله (1)؟.
وسوف أوجه هذا الكلام إلى الأستاذ (وينوود):
كيف يجوز لفيلسوف القرن العشرين أن يرى: أن يكون الكون الخارجي، في حقيقة الأمر مطابقا لما يزعمه هو؟.
ان كاتبنا لم يستطع أن يفهم أمرا في غاية البساطة: هو أن الحقيقة لا تحتاج إلى الواقع الخارجي، وانما الواقع الخارجي هو الذي يكون في حاجة إلى الحقيقة..
فالحقيقة أن لهذا الكون إلها، وسوف نمثل أمامه يوم الحساب. فلا بد لكل منا؟ سواء أكان روسو أم كان مواطنا عاديا؟ أن يكون وفيا ومطيعا لإلهه، فنجاتنا لن يحققها جحودنا، بل هي تكمن في ايماننا وطاعتنا.. والغريب أن كاتبنا لم يرق له أن يطالب (جوته) و (روسو) أن يسلكا مسلك الحق، وانما طالب الحق بالتغير! ولما لم يطع الحق راح ينكره!! وهذا أشبه بمن ينكر قانون حفظ الأسرار العسكرية، الذي يكرم أحيانا جنديا بسيطا، ويعدم عالما ممتازا، مثل روز نبيرج وعقيلته الحسناء بالكرسي الكهربائي!!.
* * * انه لا يوجد على سطح الأرض من يفكر في (الغد) غير الانسان. فهو يتميز عن سائر الحيوانات بدوام تفكيره في المستقبل، وجهاده المتواصل، وسعيه الدائب في سبيل تحسين أحواله. ولا شك اننا قد نجد بعض الحيوانات تعمل لمستقبلها، كالنمل الذي يدخر غذاءه للشتاء القادم، والطيور التي تصنع أعشاشا يسكنها أولادها بعد فقسهم، ولكن هذا العمل لدى الحيوانات يعتبر غرزيا، فهو صادر عن غير شعور بالمسؤولية، انها لا تقوم بهذه الأعمال لقلقها من مشكلات الغد، وانما تأتي بها طبيعيا، ومن ثم تنتفع بها في المستقبل فالتفكير في المستقبل يتطلب فكرا مدركا واعيا، وهو من ميزات الانسان فحسب، ولا يتمتع به شئ من الحيوانات غيره.
هذا الفرق الكبير بين الانسان والحيوان يؤكد أنه لابد أن تكون للانسان مواقع أكثر بالنسبة إلى أي نوع آخر للانتفاع بها، فحياة الحيوانات هي ما تسمى حياة اليوم، ففكرة الغد لا توجد عندها، ولكن مطالعة حياة الانسان تقتضي غدا، ولو أنكرنا هذه الحاجة لخالفنا الطبيعة.

(1) JWN Sulivan The Limitations of Science, p. 9.
(٩٣)
مفاتيح البحث: الجواز (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»