وحيث إن قياسه لا يصدق هذه القضية، فهي ليست بحقيقة لفظية. وقياسه كما يلي:
بناء على علم الأعصاب (Neurology) لا يمكن معرفة العالم الخارجي، والاتصال به، الا عندما يعمل الذهن الانساني في حالته العادية، وأما بعد الموت، فهذا الادراك مستحيل، نظرا إلى بعثرة تركيب النظام الذهني (1).
ولكن هناك قياسات أخرى أقوى من هذا القياس، وهي تؤكد أن بعثرة الذرات المادية في الجسم الانساني لا تقتضي على الحياة، فان الحياة شئ آخر، وهي مستقلة بذاتها، باقية بعد فناء الذرات المادية وتغيرها.
ومن المعلوم أن الجسم الانساني يتألف من أجزاء (ذرات)، تسمى الخلايا، ومفردها:
خلية (cell). وهي ذرات صغيرة جدا ومعقدة، يزيد عددها في الجسم الانساني العادي 0000000000000، 260 خلية. ويبدو أن هذه الخلايا مثل الطوب الصغير، ينبني منه هيكل أجسامنا. ولكن الفرق بين طوب أجسامنا والطوب الطيني شاسع جدا.. فطوب الطين الذي يستخدم في العمارات يبقى كما هو؟ نفس الطوب الذي صنع في المصنع، واستخدم في البناء للمرة الأولى.. بينما يتغير طوب هياكلنا في كل دقيقة، بل في كل ثانية، ان خلايا أجسامنا تنقص بسرعة، كالآلات التي تتآكل باحتكاكها واستهلاكها، ولكن هذا النقص يعوضه الغذاء، فهو يهيء للجسم قوالب الطوب التي يحتاج إليها بعد نقص خلاياه واستهلاكها (2). فالجسم الانساني يغير نفسه بنفسه بصفة مستمرة، وهو كالنهر الجاري المملوء دائما بالمياه، لا يمكن أن نجد به نفس الماء الذي كان يجري فيه منذ برهة، لأنه لا يستقر، فالنهر يغير نفسه بنفسه دائما، ومع ذلك فهو نفس النهر الذي وجد منذ زمن طويل، ولكن الماء لا يبقى، بل يتغير.
و جسمنا مثل النهر الجاري، يخضع لعملية مستمرة، حتى أنه يأتي وقت لا تبقى فيه آية خلية قديمة في الجسم، لأن الخلايا الجديدة أخذت مكانها. وهذه العملية تتكرر في هذه الطفولة والشباب بسرعة ثم تستمر بهدوء ملحوظ في الكهولة ولو حسبنا معدل التجدد في هذه العملية فسوف نخرج بأنها تحدث مرة كل عشرة سنين. ان عملية فناء الجسم المادي الظاهري تستمر، ولكن الانسان في الداخل لا يتغير، بل يبقى كما كان: علمه، وعاداته، وحافظته، وأمانيه، وأفكاره، تبقى كلها كما كانت. انه يشعر في جميع مراحل حياته بأنه هو الانسان