يقول (فرويد) في محاضرته الحادية والثلاثين:
ان قوانين المنطق، بل أصول الأضداد أيضا، لا تحول دون عمل (اللاشعور) ID وان الأماني المتناقضة موجودة فيه جنبا إلى جنب، دون أن تقضى واحدة منها على الأخرى، ولا شئ في اللاشعور يشبه أن يكون رفضا لشيء من هذه المتناقضات. اننا نتحير لما نشاهده من أن اللا شعور يبطل رأي فلاسفتنا القائلين بأن جميع أفعالنا العقلية الشعورية تتم في زمن محدد، ولكن لا شئ في اللاشعور يطابق الفكر ألزمني، ولا يوجد فيه أي رمز لمضي الوقت وسريانه، وهي حقيقة محيرة. ولم يحاول الفلاسفة أن يتأملوا حقيقة، هي أن مضى الزمن لا يحدث أي تغيير في العمل الذهني، ان الدوافع الحبيسة (Conative impulses) التي لم تخرج قط عن اللاشعور، وحتى التأملات الخيالية التي دفنت في اللاشعور؟ تكون أزلية في الحقيقة والواقع، وتبقى محفوظة لعشرات السنين، وكأنها لم تحدث الا بالأمس (1).
وقد سلم علماء النفس بهذه النظرية بصفة عامة اليوم، ومعناها أن كل ما يخطر على بال الانسان من الخير والشر، ينقش في صفحة اللاشعور، فلا يزول إلى الأبد، ولا يؤثر فيه تغير الزمان، وتقلب الحدثان، ويحدث هذا على رغم الإرادة الانسانية؟ طوعا أو كرها.
ولم يستطع (فرويد) ان يدرك ما يكمن خلف هذه العملية من أسباب وعلل، وأية خدمة تؤديها في مصنع الكون؟ ولهذا نراه يدعو الفلاسفة إلى التفكير والتأمل. ولكنا لو قارنا هذا الواقع مقرونا إلى نظرية الآخرة لاستطعنا أن نصل إلى حقيقتها بسرعة، ان هذا الواقع يؤكد بكل صراحة امكان وجود سجل كامل لأعمال الانسان في حيازته، عندما يبدأ حياته الأخرى، فان وجود نفسه سوف يشهد على الأعمال والنيات التي عاشها:
ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه، ونحن أقرب اليه من حبل الوريد (2).
* * * (1) مسألة القول:
ولنتناول هنا مسألة القول: ان نظرية الآخرة تقول بأن الانسان مسئول عن (أقواله)، فجميع ما نلفظه من كلام، حسنا كان أو قبيحا، حمدا أو سخطا، وسواء استعملنا اللسان في ابلاغ رسالة الحق، أو استعملناه في ابلاغ رسالة الشيطان، كل ذلك يحفظ في سجل كامل: ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد (3). وهذا السجل سوف يعرض أمام محكمة الآخرة ليتم حساب الانسان.