الصدفي، مهما بالغنا في افتراضاتنا عن المدة الطويلة التي استغرقتها عملية المادة في الكون. ونظرية الخلق هذه ليست مستحيلة في ضوء قانون الصدفة الرياضي فحسب، وانما هي لا تتمتع بأي وزن منطقي في نفس الوقت.
وأي كلام من هذا القبيل سخيف وملىء بالصلافة.. ومثاله كمن يزعم أن سقوط كوب مملوء بالماء أو بالقهوة سوف يرسم خريطة العالم على الأرض!! لا مانع من أن أسأل هذا الرجل:
من أين جاء بهذا الفرش الأرضي، والجاذبية، والماء، والكوب، حتى يقع هذا الاتفاق الغريب؟!.
* * * ولقد ولغ عالم البيولوجيا هيكل Haeckel في زعمه حين قال:
ائتوني بالهواء، وبالماء وبالأجزاء الكيماوية، وبالوقت، وسأخلق الانسان. ولكن هيكل نسي أو تجاهل في هذه القالة: أنه بتقريره احتياجه إلى المادة والأحوال المادية، ينفي زعمه من تلقاء نفسه!.
يقول الأستاذ كريسي موريسن (1) في هذا الصدد:
ان هيكل يتجاهل في دعواه: الجينات الوراثية، ومسالة الحياة نفسها، فان أول شئ سيحتاج اليه عند خلق الانسان، هو الذرات التي لا سبيل إلى مشاهدتها، ثم سيخلق (الجينات)، أو حملة الاستعدادات الوراثية، بعد ترتيب هذه الذرات، حتى يعطيها ثوب الحياة.. ولكن امكان الخلق في هذه المحاولة بعد كل هذا، لا يعدو واحدا على عدة بلايين، ولو افترضنا أن هيكل نجح في محاولته، فإنه لن يسميها صدفة، بل سوف يقررها، ويعدها نتيجة لعبقريته (2).
* * * ولنختم هذا البحث بقول عالم الطبيعة الأميركي جورج ايرل ديفيس:
(لو كان يمكن للكون أن يخلق نفسه، فان معنى ذلك أن يتمتع بأوصاف الخالق، وفي هذه الحال سنضطر أن نؤمن بأن الكون هو الاله.. وهكذا ننتهي إلى التسليم بوجود (الاله)، ولكن الهنا هذا سوف يكون عجيبا: إلها غيبيا وماديا في آن واحد!! انني أفضل أن أؤمن بذلك الاله الذي خلق العالم المادي، وهو ليس بجزء من هذا الكون، بل هو حاكمه ومديره ومدبره، بدلا من أن أتبنى مثل هذا الخزعبلات (2).