الإسلام يتحدى - وحيد الدين خان - الصفحة ٥٤
قاطعا في ذاته على أن لنا وجودا (1). وحين نصطدم في الطريق بحجارة ثم نتألم فهذا الواقع دليل في ذاته على أن هناك عالما موجودا وجودا ذاتيا خارج وجودنا. وهكذا تدرك حواسنا في كل وقت أشياء كثيرة، من الفرح والألم والتذوق.، فهذا الإحساس والشعور دليل لكل شخص على أنه موجود في كون، وعلى انه يملك وجوده الذاتي، وحينئذ فلو قام أحد يشكك نفسه في وجوده الذاتي ووجود الكون فسوف نعتبر ذلك حالة استثنائية مفردة، لا ترتبط بتجربة الملايين من جماهير الناس. وسوف نقول عن هذا الرجل الفذ: انه قد غاب في عالمه الذهني، حتى نسي نفسه...
بل اننا لو سلمنا - جدلا - بأنه ليس للكون في ذاته وجود خارج ذاتنا، فلست اعتبر هذا دليلا ملزما بأنه لا وجود للإله.
وعلى كل حال فهذه هي الفكرة الوحيدة التي ترى وجود الاله مشكوكا فيه، بكل ما تتضمن من السفسطة والجهالة وانعدام الواقعية.، وهي فكرة لا معنى لها في ذاتها، وليست مفهومة لدى جمهور الناس، كما انها لم تحظ بقبول في دنيا العلم.
* * *

(1) يستخدم المؤلف هنا تلك العبارة الفلسفية الشائعة. انا أفكر، اذن فانا موجود الوجود والخلق ان الانسان العادي، والعالم العادي يؤمن على كل حال بان له وجودا، وبان للكون أيضا وجودا، وعلى هذا الأساس من العلم والايمان تقوم جميع ألوان النشاط العلمي والحيوي.
فإذا آمنا بوجود الكون فلا بد ان نؤمن باله هذا الكون منطقيا إذ لا معنى لأن نؤمن بالمخلوق ونرفض وجود خالقه ونحن لا نعلم شيئا جاء إلى الوجود من العدم دون ان يخلق، فكل شئ مهما بلغ حجمه عظم أو صغر، جل أو دق، وراءه علة، فكيف بنا نؤمن بان كونا عظيما مثل كوننا جاء إلى الوجود ذاتيا، دون خالق؟؟
ذكر (جون ستيوارت ميل) في سيرة حياته: ان أباه قد علمه ان سؤال من الذي خلقني؟
لا يكفي لاثبات وجود الاله، إذ ينجم تلقائيا سؤال: فمن ذا الذي خلق الاله؟، وقد اعتد (برتراند رسل) هذا الاعتراض الثاني كافيا لرفض مدلول السؤال الأول (2).
ونحن نعرف ان هذا الاستدلال قديم جدا لدى الملحدين، ومقتضاه. اننا لو افترضنا خالقا للكون فسوف نضطر ان نتصوره أزليا!!
(2) Morton White, The Age of Analysis, pp. 21 - 22.
(٥٤)
مفاتيح البحث: النسيان (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»