عصر الاقطاع والرأسمالية. وهو عصر الانتهازيين اللصوص، كما أن الأفكار الدينية والأخلاقية التي تولدت في هذا العصر تحمل نفس الطابع الانتهازي الاستعماري. والحق ان هذه الفكرة ليست لها قيمة من الناحية العلمية. كما انها عند التحليل العلمي والتجربة العملية لا طريق إلى تصديقها.
فالفكرة الماركسية تنفي بشدة إرادة الانسان.، وهي تحيل الاحداث إلى تأثير عوامل أزمة الزمن الاقتصادية، ومعنى ذلك أن الانسان لا شخصية له، فهو يصاغ في مجتمعه، كما يصاغ الصابون في المصنع، ولا طريق امامه كي يشق أفكارا وطرقا جديدة وانما هو ينطلق مفكرا على النهج الذي سمحت له به حياته الاقتصادية، فإذا كانت هذه القضية صحيحة، فكيف تمكن كارل ماركس وليد النظام الرأسمالي من أن يفكر ضد العوامل الاقتصادية الرائجة في عصره، هل صعد القمر لكي يبحث في أحوال الأرض؟
وبعبارة أخرى: لو صح ان الدين وليد عصر مخصوص فكيف لم تكن الماركسية وليدة النظام الاقتصادي لعصرها؟؟.. وإذا لم نسغ هذا الوضع فيما يتعلق بالماركسية فكيف نسيغه بالنسبة إلى الدين؟.. الحق ان هذه الفكرة عبث مثير لا يحمل على ظهره أي دليل علمي أو عقلي.
هذا وقد اتضحت أخطاء هذه الفكرة بالتجارب العملية. وحسبنا روسيا، هنالك حيث سادت الماركسية نصف قرن من الزمان. ادعت روسيا خلاله ان أحوال البلاد المادية قد تغيرت تماما وان النظام الزراعي.، والمبادلة، وتقسيم الأموال.، قد جرت على أسس غير استغلالية، ولكنا وجدنا حين مات ستالين ان قادة الروس أنفسهم قد أقروا بان الظلم والفساد كانا رائجين في عهده، وانه كان يستغل الشعب كما يستغله الحكام في البلاد الاستعمارية. ولو وضعنا في اعتبارنا واقع الرقابة الشديدة على الصحف ووسائل الاعلام، وهي التي تمكن بها ستالين من أن يذيع على العالم ان عهده هو عهد العدل والانصاف، فلا ريب ان هذه الرقابة موجودة هناك اليوم أيضا، ومن هنا نستطيع ان نفهم ان الأمور تجري وراء ستائر الدعاية الجميلة على ما كانت عليه في عهد ستالين. وان كان المؤتمر العشرون (1956) للحزب الشيوعي الروسي قد أفشى مظالم ستالين.، فلا غرابة ان يجيء المؤتمر الأربعون للحزب الشيوعي بافشاء اسرار حكام روسيا اليوم (1).
ان هذا النظام الذي استغرقت تجربته نصف قرن من الزمان ليدلنا على أن الانسان لا يتغير بتغير نظام الزراعة والمبادلة المزعوم، ولو كان العقل الانساني تابعا للنظام الاقتصادي فلماذا نجد الظلم والفساد والاستغلال في نظام روسيا الشيوعي؟