الإسلام يتحدى - وحيد الدين خان - الصفحة ٣٤
ان الاستدلال بقانون الانتخاب الطبيعي يفسر عملية (بقاء الأصلح)، ولكنه لا يستطيع ان يفسر حدوث هذا الأصلح: (1).
ثانيا: اللاشعور ودليل علم النفس:
لنعالج الآن الدليل الذي يقدمه علم النفس والقائل بان الاله والآخرة قياس للشخصية الانسانية واما نيها على مستوى الكون. ولست بمستطيع ان أدرك نقطة الاستدلال في هذا الدليل. ولو انني ادعيت بدوري ان الشخصية الانسانية وأمانيها موجودة فعلا على مستوى الكون فلست أدري ما عسى ان يبطل ادعائي هذا من منطق المعارضين؟!
نحن نعرف ان مادة (الجنين) التي لا تشاهد الا بالمنظار تنبئ في ذاتها عن انسان طوله 72 بوصة، وان (الذرة) التي لا تقبل المشاهدة تحتوي نظاما رياضيا كونيا يدور عليه النظام الشمسي، فلا عجب اذن ان يكون النظام الذي نشاهده على مستوى الانسان في الجنين، وعلى مستوى النظام الشمسي في الذرة موجودا أيضا، وبصورة أكمل على مستوى الكون. ان ضمير الانسان وفطرته ينشدان عالما متطورا كاملا، فلو كان هذا الامل صدى لعالم حقيقي فلست أرى في ذلك أي ضرب من ضروب الاستحالة!!
(1) لا شك في قول العلماء: ان الذهن الانساني يحتفظ بأفكار قد تظهر فيما بعد في صورة غير عادية. ولكن سوف يكون قياسا مع الفارق ان نعتمد على هذه الفكرة كي نبطل الدين. فهو قياس في غير محله، وهو يعتبر استدلالا غير عادي من واقع عادي. فهو أشبه بمن يشاهد مثالا يصنع صنما فيصرخ: هذا هو الذي قام بعملية خلق الانسان.
ومن معايب الفكر الحديث انه يستنبط من حادث عادي دليلا غير عادي، فهذا الدليل لا وزن له من الناحية المنطقية، ولو افترضنا ان رجلا يسير في شارع اخذ يهذي بكلام غريب نتيجة لأفكار مختزنة في ذهنه، فهل يمكن ان نستغل هذا الحادث في البحث في كلام الأنبياء، وهو الكلام الذي يكشف سر هذا الكون..؟؟ سوف يكون هذا الاستدلال غير علمي، وغير منطقي، ولسوف يدل على أن صاحبه يفتقر إلى القيم حتى يستطيع التفرقة بين كلام رجل الشارع وكلام الأنبياء، فلا يدعي ان هذا الهذيان هو المسؤول عما جاء به الدين.
فالقيم تتغير ذاتيا بتغير الأوضاع، ومن الخطأ الظن بأنها لا توجد إلا عند أصحاب الفكر الحديث.

(1) Revolt against Reason, A. Lunn, p. 133.
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»