إذ يوجد مثال لهذا في تاريخ الأديان وهو مثال البوذية. التي تخلو تماما من فكرة (الاله). ومن ثم آمنت جماعة من الناس بضرورة البحث عن دين مجرد من الاله، ولو اننا سلمنا بالفكرة القائلة بان شيئا مثل (الدين) لابد منه للانسان، لحاجته إلى الوعي الخلقي والتنظيم الاجتماعي، فلا داعي إذن للإله ان يوجد، وربما قيل: إن الدين الذي يصح لهذا العصر يلزم ان يكون مثل البوذية فان اله العصر الحاضر هو (مجتمعه وأهدافه السياسية)، ورسول هذا الاله هو (البرلمان) الذي يوجه الشعب إلى ما يرضيه، ومعابد هذا الاله العصري ليست المساجد أو الكنائس القديمة، وانما هي المصانع الكبيرة والسدود العظيمة (1) ان لهؤلاء الباحثين الاجتماعيين المزعومين قدرة كبيرة على خلق هذه الأفكار الجديدة، التي تنتقل من (دين الاله) إلى فكرة (الدين بغير الاله) وذلك ناشئ عن الطريق المعوجة التي سلكها بحثهم، وهم يغمضون أعينهم عن جميع النواحي العلمية الأخرى التي تلقي ظلالا من الشكوك حول جداولهم الارتقائية. ومثاله ان علماء الاجتماع والانسان قد توصلوا بعد أبحاثهم الفنية الدقيقة إلى أن (نظرية الاله) شكل ارتقائي لفكرة تعدد الآلهة، غير أن هذا الارتقاء ضل طريقه واتجه إلى طريق غريبة، وحير العلماء كما شوش امره على نفسه، بارتقائه الباطل من فكرة تعدد الآلهة، غير أن هذا الارتقاء ضل تعدد الآلهة إلى فكرة الاله الواحد.
ان فكرة تعدد الآلهة كانت تحمل قيما اجتماعية مؤداها ان يعيش مؤمنو الآلهة المختلفة في سلام باعتراف متبادل ما بينهم ولكن فكره الاله الواحد بطلت حتما هذا الامكان بخلقها نظرية الدين الأعلى (Higher Religion) ونتيجتها ان بدأت حروب ضارية لا نهاية لها بين شعوب الدنيا وهكذا سعت فكرة الاله الواحد إلى حتفها بظلفها، بارتقائها في اتجاه مناقض. وهذا هو قانون النشوء والارتقاء (2) ولكننا فعلا قد تركنا الواقع الحقيقي في هذا الجدول، فالتاريخ المعلوم يثبت ان أول رسول معلوم كان سيدنا نوحا عليه السلام، وكان يدعو إلى الله الواحد. كما أن تعدد الآلهة (Polytheism) ليس في درجة واحدة. وانما معناه: ان يشرك الانسان مع الاله الأكبر آلهة آخرين. يقربونه اليه ويشفعون له وفي وجود هذه الحقائق تتحول نظرية النشوء والارتقاء إلى ادعاء لا دليل عليه.
* * * وفكرة (ماركس) هي أكثر نظريات هذه المجموعة عبثا، فهي تقول: ان الأحوال الاجتماعية هي التي تقوم ببناء الانسانية وتكميلها، ومن ثم كان العصر الذي وجد فيه الدين