الإسلام يتحدى - وحيد الدين خان - الصفحة ٤٥
الباب الثالث: طريقة الاستدلال العلمي ان قضية العصر الحاضر ضد الدين هي قضية طريقة الاستدلال، أعني الطريقة الجديدة التي كشفها العلم الحديث بعد التطورات في ميادينه العديدة، بحيث لم تعد تقف امامها دعوى الدين وعقائده هذه الطريقة الجديدة هي معرفة الحقيقة بالتجربة والمشاهدة على حين تتصل عقائد الدين بعالم ما وراء حواسنا، ولا يمكن اخضاعها للتجربة. (فالدين كله مبني على قياس واستقراء) (1). وهذا هو ما يجعله باطلا، لأنه ليس له أساس علمي.
وقضية العصر الحاضر باطلة، لأنها لا تقوم على أسس علمية، فالطريقة الجديدة لا تنفي وجود أشياء لم تجرب مباشرة، كما لا تنفي قياس أشياء لم نشاهدها على أشياء شاهدناها تجريبيا وهو ما يسمى قياسا علميا، ويعتبر كالتجربة المباشرة، فالتجربة لا تعد حقيقة علمية لمجرد انها شوهدت، كما أن القياس ليس باطلا لمجرد انه قياس. فامكان الصحة والبطلان موجود فيهما على سواء.
كان الناس في القديم يصنعون السفن الشراعية من الخشب. اعتقادا منهم ان الماء لا يحمل الا ما يكون أخف منه وزنا، وحين قال بعضهم: ان السفن الحديدية سوف تطفو على سطح الماء كالتي من الخشب. أنكر الناس عليه مقالته واتخذوه هزوا، وجاء نحاس فألقى بنعل من حديد في دلو مملوء بالماء ليشهد الناس على أن هذه القطعة الحديدة بدل ان تطفو على سطح الماء استقرت في القاع. كان هذا العمل تجربة. ولكننا جميعا نعتقد اليوم انها كانت تجربة باطلة، فلو كان النحاس قد القى بطبق من حديد لشاهد بعينيه صدق ما قيل من طفو السفن الحديدية.

(1) ومثاله ان أصحاب الدين إذا أرادوا اثبات وجود الاله لا يقدرون على ذلك باستعمال التلسكوب، ولكنهم يستدلون بان نظام الكون وروحه العجيبة تدلان على أنه يوجد عقل إلهي وراءهما. وهذا الدليل لا يثبت وجود الاله مباشرة، وانما هو يثبت قرينة تستلزم الايمان بالله بعد الايمان بها.
(٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 45 46 47 48 49 50 ... » »»