كنت جدا مقتنع بكفاءتي وأنني أستطيع أن أحقق نتيجة موفقة بالتأكيد، باستعمال الوسائل الطبية اللازمة، ولكن سرعان ما أصبت بصدمة كبيرة، حيث فرضت علي الظروف أن أشعر أنني أعرضت عن أهم عنصر في علم الطب، ألا وهو: الله.
كانت بين المرضى الذين كنت مشرفا على علاجهم في المستشفى، عجوز في السبعين من عمرها، أصيب أعلى فخذها بصدام، وأكدت صور الأشعة أن أنسجة جسمها تلتئم بسرعة، فقدمت لها تهنئاتي بسرعة شفائها، وأشار لي كبير الجراحين: أن أطلب منها العودة إلى بيتها بعد أربع وعشرين ساعة، لأنها استطاعت أن تمشي دون أن تستند إلى شئ.
وكان ذلك يوم أحد، حين جاءت ابنتها تزورها على عادتها الأسبوعية، فقلت لها: ان والدتك تتمتع بصحة جيدة الآن، وعليك أن تحضري غدا لترافقيها إلى البيت. ولم تلفظ الفتاة بشيء أمامي، بل توجهت إلى أمها، وقالت لها: انه تقرر بعد مشورة زوجها أنهما لن يستطيعا تدبير عودتها (الأم) إلى بيتهما، وخير لها الآن أن تنظم لها سكنى باحدى دور العجزة.
وبعد بضع ساعات مررت بسرير العجوز، فشاهدت أن انهيارا سريعا يطرأ على جسمها، ولم يمض أربع وعشرون ساعة حتى ماتت العجوز، لا بسبب فخذ مكسور، بل جراء قلب كسير.
وقد حاولت أن أقوم بجميع الاسعافات اللازمة لانقاذها، ولكن حالتها لم تتحسن. كانت عظام فخذها المكسورة، قد تحسنت كثيرا، ولكنني لم أجد علاجا لقلبها الكسير.. أعطيتها كل ما عندي من الفيتامينات، والمعادن، ووسائل التئام العظم المكسور، ولكن العجوز لم تستطع أن تنهض مرة أخرى، لقد انجبرت عظامها دون شك، وكانت تملك فخذا قوية. ولكنها لم تقو على الحياة، لأن إلزام عنصر لحياتها لم يكن الفيتامينات، والمعادن، ولا انجبار العظم، وانما كان (الأمل)، الأمل في أن تعيش على نحو معين، فمتى ذهب الأمل في الحياة، ذهبت معه الصحة.
وكان لهذا الحادث تأثير عميق في نفسي: لاحساسي بأن هذا الحادث كان من المستحيل وقوعه، لو كانت هذه العجوز تعرف اله الأمل، الذي أؤمن به لكوني مسيحيا (1).
هذا المثال يعطينا صورة من التناقض الذي يعاني منه العالم في كل جانب من جوانب حياته، فالعالم يحاول اليوم بكل قوة أن تمحي الأحاسيس والمشاعر الدينية من قلوب الناس، وهو في هذه المحاولة يسعى إلى نهضة الانسان، متجاهلا (الروح)، عنصره الأصلي.
ومن نتائج هذه المحاولة أن الطب يستطيع أن يجبر عظام فخذ مكسورة. ولكن حرمان الانسان من العقيدة الإلهية يفضي به إلى الموت، رغم كون جسمه في صحة جيدة.