لقد كان يعتمل في قرارة ذهنه نفس السؤال الذي يولد معه الانسان، وقد قال نهرو، وهو يخاطب مؤتمر المستشرقين الذي انعقد في دلهي في يناير من عام 1964 والذي اشترك فيه ألف ومائتان من الممثلين من جميع أرجاء العالم، قال:
انني سياسي، ولا أجد وقتا كثيرا للامعان والتفكير. ولكنني أضطر في بعض الأحيان أن أفكر: ما حقيقة هذه الدنيا؟ ومن نحن؟ وماذا نقوم به؟ انني على يقين كامل أن هناك قوى تصوغ أقدارنا (1).
وهذا هو الشعور بعدم الطمأنينة الذي يسيطر على أرواح الذين يكفرون بالله معبودا لهم، ويخيل إليهم في غمرة الملذات المؤقتة والأعمال الدنيوية الشاغلة؟ أنهم قد ظفروا بالاستقرار.. ولكنهم لا يلبثون أن يحسوا مرة أخرى بأنهم محرومون من الطمأنينة والسعادة والاستقرار.
وهذه الحالة التي تنعدم فيها الطمأنينة والاستقرار لدى القلوب المحرومة من رحمة الله ليست مسألة أيام هذه الحياة المؤقتة وسنيها. وانما هي أهم من ذلك بكثير.
انها مسألة أزلية وأبدية، تتمثل فيها آثار الحياة المعتمة الحالكة، التي يقف على حافتها هؤلاء الأصحاب.
انها البادرة الأولى لحياة الخنق الأبدية، التي سوف يواجهونها بعد موتهم دون شك.
انها أجراس التنبيه الأولى في حياتهم، تنذرهم بالأحوال الرهيبة، والظروف المروعة التي سوف تمر بها أرواحهم.
وهي دخان من الجحيم الذي لابد لهم أن يخلدوا فيه.
ولو أن النيران شبت في منزل أحدهم، فقد ينبهه الدخان الذي سيدخل في أنفه إلى الخطر الوشيك، وهو يستطيع أن ينقذ نفسه لو استيقظ في الوقت المناسب، ولكن حين تمسك السنة النيران بسريره فسيكون الأوان قد فات. ولات حين مناص، بل هو الهلاك الذي يحيط به من كل جانب، فقد قدر له أن يحترق في النيران، لبلادة حسه، وجهالته من أمره.
ترى، هل يستيقظ الناس في ابان النجاة؟ فان اليقظة النافعة هي التي تكون قبل فوات الأوان، واليقظة عند الهلاك والدمار لا تمنح صاحبها غير القرار في قاع البوار.
* * * كتب البروفسور مايكل بريتشر ترجمة لحياة جواهر لال نهرو؟ وقد سأل المؤلف نهرو في لقاء له معه بنيودلهي في 13 يونيه من عام 1956: