ان العالم الحديث يعاني من مشكلة، لم يجربها الانسان طوال تاريخه هي مشكلة جرائم الأطفال، التي أصبحت جزءا من المجتمع الحديث! من أين يأتي هؤلاء المجرمون الصغار؟
انهم ضحايا السعادة المادية... فكثير من الفتيان والفتيات يسأمون حياة الزواج بعد وقت قليل، وحينئذ يبدأون في البحث عن وجوه وأجساد جديدة، ويحصلون على الطلاق، بيد أن المجتمع هو الذي يدفع ثمن الطلاق، حين يلملم في رحابه أطفالا يتامى في حياة آبائهم وأمهاتهم، وما دام المجتمع المنحل هو الآخر لا يستطيع أن يهيء لهؤلاء الأطفال الطعام واللباس والمأوى، فهم أحرار من كل قيد، وهم ثائرون على المجتمع الذي أنجبهم.
وتبدأ هذه الحال بالصعلكة، ثم تنتهي إلى الجرائم القذرة التي كانوا ثمرتها.
ولقد صدق السير الفريد ديننج في مقاله: ان أكثرية المجرمين الأطفال غير البالغين تخرج من أنقاض أسر محطمة (1).
وهذا التناقض بين الفلسفة الاجتماعية وأهداف الأفراد هو أصل كل المشكلات الاجتماعية. فجميع الحوادث التي نسميها في قواميسنا جريمة وذنبا هي محاولة قوم للحصول على أمانيهم الذاتية في الحياة، بعد أن أخفقوا في تحقيقها لسبب أو آخر. وهذه الحوادث تظهر في أغلب الأحيان في صور: الاغتيال، والخطف، والتدليس، والتزوير، والقرصنة، والحروب، والزنا، وما إلى ذلك من الجرائم التي تعاني منها الانسانية:
وهذا التناقض يبين بجلاء أن هدف الحياة الأساسي هو الحصول على رضا الله في الآخرة، لا غير. انه هو الهدف الوحيد الذي يمكنه انقاذ المجتمع والفرد من التناقض الكبير، والسير بهما في طريق الرخاء والسعادة المتبادلة، لأن الفرد في هذا الهدف لا يصادم أماني المجتمع، بل يشترك في كفاحه بطريقة ايجابية فعالة.
فميزة نظرية (الآخرة) تأكيدها على أنها هي الأساس الوحيد لنجاح المشروعات الاجتماعية في حين تبين في نفس الوقت، أنها هي الهدف الوحيد للانسان الفرد أيضا، لأن أي شئ لا علاقة له بالواقع لا يمكنه أن يصبح بهذا القدر العجيب من الأهمية، والموافقة لأهداف البشرية.
* * * لقد تقدم الطب الحديث والجراحة إلى أقصى حدودهما في هذا القرن، وبدأ الأطباء يقولون: ان العالم يستطيع القضاء على كل مرض، غير الموت والشيخوخة!! ولكن الأمراض تكثر وتتشعب، وتنتشر بسرعة مذهلة، ومنها الأمراض العصبية التي هي نتائج أعراض التناقض الشديد الذي يمر به الفرد والمجتمع.
لقد حاول العلم الحديث أن يغذي كل الجوانب المادية في الجسم الانساني، ولكنه