الإسلام يتحدى - وحيد الدين خان - الصفحة ١٧٩
هو الآخر، مثل رجل الدين، يقدم أحسن تمنياته إلى الهه. فكل انسان مجبور على أن يتخذ شيئا ما إلها له، ويقدم له قرابين أمانيه الصادقة.
ولكن الانسان إذا قدم هذه القرابين لغير الله، فهو يشرك بمن يستحق وحده العبادة...
و ﴿ان الشرك لظلم عظيم﴾ (1)، والظلم أن تضع الشيء في غير موضعه، فلو كنت تريد أن تتخذ من غطاء الوعاء قبعة فهو ظلم، والانسان عندما يميل إلى غير الله لملء فراغه النفسي ويتخذ من غير الله ملجأ له، فهو ينحاز عن مكانه الصحيح، ويتخذ من غريزته أسوأ أسباب الضلال.
وكما كانت هذه الغريزة فطرية، فإنها تظهر دائما في صورتها الطبيعية متجهة إلى الله، ولكن المجتمع، وأحوال البيئة، يعطيان هذه الغريزة اتجاها مغايرا، فتبدأ الشكوك تساور الانسان في أول الأمر، ولكنه سرعان ما يتخلص من هذه الشكوك، عمدا أو عفوا، لأنه يتمتع بحرية أكثر في الحياة الجديدة، فيرضى بها ولو ظاهريا.
* * * فقد كان برتراند رسل شديد العلاقة بالدين في أول حياته، وكان يواظب على حضور صلوات الكنيسة باهتمام، وفي يوم من الأيام سأله جده: ما تكون دعواتك المفضلة يا برني؟.
فأسرع الشاب برتراند رسل يقول: لقد سئمت الحياة، وأنا مدفون تحت وطأة ذنوبي؟ يا إلهي! وعندما جاوز برتراند الثالثة عشرة من عمره بدأت خواطر التمرد تراود ذهنه، بفعل البيئة التي أحاطت به، إلى أن تحول ذلك الطفل المواظب على صلوات الكنيسة فأصبح من بعد برتراند رسل الفيلسوف الملحد، الذي لا يؤمن بالحقائق السماوية. وقد أجرت الإذاعة البريطانية حديثا معه عام 1959، وعندما سأله فريمان؟ المعلق السياسي بالإذاعة؟: هل وجدت أن هواية الاشتغال بالرياضيات والفلسفة يمكن أن تحل محل المشاعر الدينية عند الانسان؟، أجاب رسل قائلا: نعم، لقد وصلت في سن الأربعين إلى الطمأنينة التي قال عنها أفلاطون: انه يمكن الحصول عليها من طريق الرياضيات.
انها عالم أبدي، حر، لا يقاس بزمان. ولقد حظيت في هذا العالم بسكينة تشبه تلك التي يحصلون عليها في الدين.
لقد أنكر هذا المفكر البريطاني حقيقة المعبود السماوي، ولكنه لم يستطع الاستغناء عن ضرورتها القصوى، بسبب الغريزة الفطرية التي ولد بها الانسان، فجاء بالرياضيات والفلسفة، وأجلسهما في المقعد المخصص لله وحده. بل اضطر أيضا أن يخلع على الرياضيات والفلسفة

(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»