عجائب الآثار - الجبرتي - ج ٣ - الصفحة ٥٣٤
حسن أفندي المعروف بالدرويش الموصلي كما اخبر عن نفسه الذكي الألمعي والسميذع اللوذعي كان وانسانا عجيبا في نفسه مميزا شهيرا في مصر طاف البلاد والنواحي وجال في الممالك والضواحي واطلع على عجائب المخلوقات وعرف الكثير من الألسن واللغات ويتعزى لكل قبيل ويخالط كل جيل فمرة ينتسب إلى فارس وأخرى إلى بني مكانس فكأنه المعنى بما قيل طور ايمان إذا لاقيت ذا يمن وان رايت معديا فعدناني هذا مع فصاحة لسان وقوة جنان والمشاركة في كل فن من الرياضيات والأدبيات حتى يظن سامعه انه مجيد في ذلك الفن منفرد به وليس الامر كذلك وانما ذلك بقوة الفهم والحفظ وما فيه من القابلية فيستغنى بذلك عن التلقي من الأشياخ وأيضا فقد انقرض أهل الفنون فيحفظ اصطلاحات الفن وأوضاع أهله ويرزه في ألفاظ ينمقها ويحسنها ويذكر اسماءكتب مؤلفه واشياخا وحكما يقل الاطلاع عليها والوصول إليها ولمعرفته باللغات خالط كل ملة حتى يظن كل أهل ملة انه واحد منهم ويحفظ كثيرا من الشبه والمدركات العقلية والبراهين الفلسفية واهمل الواجبات الشرعية والفرائض القطعية وربما قلد كلام الملحدين وشكوك المارقين ويزلق لسانه في بعض المجالس بغلطات من ذلك ووساوس فلذلك طعن الناس عليه في الدين واخرجوه عن اعتقاد المسلمين وساءت فيه الظنون وكثر عليه الطاعنون وصرحوا بعد موته بما كانوا يخفونه في حياته لاتقاء شره وسطواته وكان له تداخل عجيب في الأعيان ومع كل أهل دولة وزمان ورؤساء الكتبة والمباشرين من الأقباط والمسلمين بالمعزة الزائدة واستجلاب الفائدة لا تمل مجالسته ولا معاشرته وباخره لما رغب الباشا في انشاء محل لمعرفة علم الحساب والهندسة والمساحة تعين المترجم رئيسا ومعلما لمن يكون متعلما بذلك المكتب وذلك أنه تداخل بتحيلاته لتعليم مماليك الباشا الكتابة والحساب ونحو ذلك ورتب له خروجا وشهرية ونجب تحت يده بعض المماليك في معرفة الحسابيات ونحوها واعجب الباشا ذلك فذاكره وحسن
(٥٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 529 530 531 532 533 534 535 536 537 538 539 ... » »»