عجائب الآثار - الجبرتي - ج ٣ - الصفحة ٥٣٥
له بأن يفرد مكانا للتعليم ويضم إلى مماليكه من يريد التعليم من أولاد الناس فأمر بإنشاء ذلك المكتب وحضر اليه أشياء من الات الهندسة والمساحة والهيئة الفلكية من بلاد الانكليز وغيرهم واستجلب من أولاد البلد ما ينيف على الثمانين شخصا من الشبان الذين فيهم قابلية للتعليم ورتبوا لكل شخص شهرية وكسوة في اخر السنة فكان يسعى في تعجيل كسوة الفقير منهم ليتجمل بها بين اقرانه ويواسي من يستحق المواساة ويشتري لهم الحمير مساعدة لطلوعهم ونزولهم إلى القلعة فيجتمعون للتعليم في كل يوم من الصباح إلى بعد الظهر وأضيف اليه اخر حضر من إسلامبول له معرفة بالحسابيات والهندسيات لتعليم من يكون أعجميا لا يعرف العربية مساعدا للمترجم في التعليم يسمى روح الدين أفندي فاستمرا نحوا من تسعة اشهر ومات المترجم وذلك أنه اقتصد وطلع إلى القلعة فحنق على بعض المتعلمين وضربه فانحلت الرفادة فسال منه دم كثير فحم حمى مختلطة واستمر أياما وتوفي ودفن بجامع السراج البلقيني بين السيارج وعند ذلك زاد قول الشامتين وصرحوا بما كانوا يخفونه في حياته فيقول البعض مات رئيس الملحدين واخر يقول انهدم ركن الزندقة ونسبوا اليه ان عنده الكتاب الذي الفه ابن الرواني لبعض اليهود وسماه دافع القرآن وانه كان يقرؤه ويعتقد به وأخبروا بذلك كتخدا بك فطلب كتبه وتصفحوها فلم يجدوا بها ذلك الكتاب وما كفى مبغضه وحاسده من الشناعات حتى رأوا له منامات شنيعة تدل على أنه من أهل النار والله أعلم بخلقة وبالجملة فكان غريبا في بابه وكانت وفاته يوم الخميس سابع عشري جمادي الثانية من السنة وانفرد برياسة المكتب روح الدين أفندي المذكور ومات الاجل المكرم الشريف غالب بسلانيك وهو المنفصل عن امارة مكة وجدة والمدينة وما انضاف إلى ذلك من بلاد الحجاز فكانت امارته نحوا من سبع وعشرين سنة فإنه تولى بعد موت الشريف سرور في سنة ثلاث
(٥٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 530 531 532 533 534 535 536 537 538 539 540 ... » »»