تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ٢ق١ - الصفحة ٣٦
عاد إبراهيم إلى أرض كنعان نزل جيرون وهو مدفنه المسمى بالخليل وكانت معظمة تعظمها الصابئة وتسكب عليها الزيت للقربان وتزعم أنها هيكل المشترى والزهرة فسماها العبرانيون إيليا ومعناه بيت الله ثم إن لوطا فارق إبراهيم عليه السلام لكثرة مواشيهما وتابعهما وضيق المرعى فنزل المؤتفكة بناحية فلسطين وهي بلاد العدور المعروف بعدور صقر وكانت هناك على ما نقله المحققون خمس قرى سدوم ووجدهم على ارتكاب الفواحش فدعاهم إلى الدين ونهاهم عن المخالفة فكذبوه وعتوا وأقام فيهم داعيا إلى الله إلى أن هلكوا كما قصه القرآن وخرج لوط مع عساكر كنعان وفلسطين للقاء ملوك الشرق حين زحفوا إلى أرض الشام وكانوا أربعة ملوك ملك الأهواز زمن بنى غليم بن سام واسمه كرز لا عامر وملك بابل واسمه في التوراة شنعا واسمه امرا قيل ويقال هو نمروذ وملك الاستار وما أدرى معنى هذه اللفظة واسمه أريوح وملك كوتم ومعناه ملك أمم أو جماعة واسمه تزعال وكان ملوك كنعان الذين خرجوا إليهم خمسة على عدد القرى الخمسة وذلك أن ملك الأهواز كان استعبدهم ثنتي عشرة سنة ثم عصوا فزحف إليهم واستجاش بالملوك المذكورين معه فأصابوا من أهل جبال يسعين إلى فاران التي في البرية وكان بها يومئذ الجويون من شعوب كنعان أيضا وخرج ملك سدوم وأصحابه لمدافعتهم فانهزم هو والملوك الذين معه من أهل سدوم وسباهم ملك الأهواز ومن معه من الملوك وأسروا لوطا وسبوا أهله وغنموا ماشيته وبلغ الخبر إبراهيم عليه السلام فاتبعهم في ولده ومواليه نحوا من ثلثمائة وثمانية عشر ولحقهم بظاهر دمشق فدهمهم فانفضوا وخلص لوطا في تلك الوقعة وجاء بأهله ومواشيه وتلقاهم ملك سدوم واستعظم فعلهم ثم أوحى الله إلى إبراهيم ان هذه الأرض أرض الكنعانيين التي أنت بها ملكتها لك ولذريتك وأكثرهم مثل حصى الأرض وأن ذريتك يسكنون في أرض ليست لهم أربعمائة سنة ويرجع الحقب الرابع إلى هنا ثم إن سارة وهبت مملوكتها هاجر القبطية لإبراهيم عليه السلام لعشر سنين من مجيئهم من مصر وقالت لعل الله يرزقك منها ولدا وكان إبراهيم قد سأل الله أن يهب له ولدا فوعده به وكانت سارة قد كبرت وعقمت عن الولد فولدت هاجر لإبراهيم إسماعيل عليهما السلام لست وثمانين من عمره وأوحى الله إليه انى قد باركت عليه وكثرته ويولد له اثنا عشر ولدا ويكون رئيسا لشعب عظيم وأدركت سارة الغيرة من هاجر وطلبت منه اخراجها وأمره الله أن يطيع سارة في أمرها فهاجر بها إلى مكة ووضعها وابنها بمكان زمزم عند دوحة هنالك وانطلق فقالت له هاجر آلله أمرك قال نعم فقالت إذا لا يضيعنا وانطلق إبراهيم وعطش إسماعيل بعد ذلك عطشا شديدا وأقامت هاجر تتردد بين الصفا
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 30 31 33 34 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»