تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ٢ق١ - الصفحة ٢٦١
وعمرا وربى عند خاله جذيمة وكان يستظرفه ثم استهوته الجن فغاب وضرب له جذيمة في الآفاق إلى أن رده عليه وافدان من العتقا ثم من قضاعة وهما مالك وعقيل ابنا فارج بن مالك بن العنس أهديا له طرفا ومتاعا ولقيا عمرا بطريقهما وقد ساءت حاله وسألاه فأخبرهما باسمه ونسبه فأصلحا من شانه وجاءا به إلى جذيمة بالحيرة فسر به وسرت أمه وحكم الرجلين فطلبا منادمته فأسعفهما وكانا ينادمانه حتى ضرب المثل بهما وقيل ندماني جذيمة والقصة مبسوطة في كتب الأخباريين بأكثر من هذا (قال الطبري) وكان ملك العرب بأرض الحيرة ومشارف الشأم عمرو بن ظرب بن حسان بن أدينة بن السميدع بن هوثر العملاقي فكانت بينه وبين جذيمة حرب قتل فيها عمرو بن الظرب وفضت جموعه وملكت بعده بنته الزبا واسمها نائلة وجنودها بقايا العمالقة من عاد الأولى ومن نهد وسليح ابني حلوان ومن كان معهم من قبائل قضاعة وكانت تسكن على شاطئ الفرات وقد بنت هنا لك قصرا وتربع عند بطن المجاز وتصيف بتدمر ولما استحكم لها الملك أجمعت أخذ الثار من جذيمة بأبيها فبعثت إليه توهمه الخطبة وانها امرأة لا يليق بها الملك فيجمع ملكها إلى ملكه فطمع في ذلك ووافقه قومه وأبى عليه منهم قصير بن سعد بن عمرو بن جذيمة بن قيس بن أربى بن نمارة بن لخم وكان حازما ناصحا وحذره عاقبة ذلك فعصاه واستشار ابن أخته عمرو بن عدى فوافقه فاستخلفه على قومه وجعل على خيوله عمرو بن عبد الجن وسار هو على غربي الفرات إلى أن نزل رحبة مالك ابن طوق وأتته الرسل منها بالالطاف والهدايا ثم استقبلته الخيول فقال له قصير ان أحاطت بك الخيول فهو الغدر فاركب فرسك العصا وكانت لا تجارى فأحاطت به الخيول ودخل جذيمة على الزبا فقطعت رواهشه فسال دمه حتى نزف ومات وقدم قصير على عمرو بن عدى وقد اختلف عليه قومه ومال جماعة منهم إلى عمرو بن عبد الجن فأصلح أمرهم حتى انقادوا جميعا لعمرو بن عدى وأشار عليه بطلب الثار من الزبا بخاله جذيمة وكانت الكاهنة قد عرفتها بملكها وأعطتها علامات عمرو فحذرته وبعثت رجلا مصورا يصور لها عمرا في جميع حالاته فسار إليه متنكرا واختلط بحشمه وجاء إليها بصورته فاستثبتته وتيقنت أن مهلكها منه واتخذت نفقا في الأرض من مجلسها إلى حصن داخل مدينتها وعمد عمرو إلى قصير فجدع أنفه بمواطأة منه على ذلك فلحق بالزبا يشكو ما أصابه من عمرو وانه اتهمه بمداخلة الزبا في أمر خاله جذيمة وما رأيت بعد ما فعل بي أنكى له من أن أكون معك فأكرمته وقربته حتى إذا رضى منها من الوثوق به أشار عليها بالتجارة في طرف العراق وأمتعته فأعطته مالا وعيرا وذهب إلى العراق ولق عمرو بن عدى بالحيرة فجهزه بالطرف والأمتعة كيما يرضيها وأتاها بذلك فازدادت به
(٢٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 259 260 261 262 263 264 265 266 ... » »»