تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ٢ق١ - الصفحة ٢٦٠
السميدع انتهى كلام السهيلي ولم تزل الحرب بين مالك بن فهم وبين الزباء بنت عمرو إلى أن ألجأها إلى أطراف مملكتها وكان يغير على ملوك الطوائف حتى غلبهم على كثير مما في أيديهم (قال أبو عبيدة) وهو أول ملك كان بالعراق من العرب وأول من نصب المجانيق وأوقد الشموع وملك ستين سنة ولما هلك قام بأمره من بعده جذيمة الوضاح ويقال له الأبرش وكان يكنى بأبي مالك وهو منادم الفرقدين (قال أبو عبيدة) كان جذيمة بعد عيسى بثلاثين سنة فملك أزمان الطوائف خمسا وسبعين سنة وأيام أردشير كلها خمسة عشر سنة وثماني سنين من أيام سابور وكان بينه وبين الزباء سلم وحرب ولم تزل تحاول الثار منه بأبيها حتى تحيلت عليه وأطمعته في نفسها فخطبها وأجابته وأجمع المسير إليها وأبى عليه وزيره قصير بن سعد فعصاه ودخل إليها ولقيته بالجنود وأحس بالشر فنجا قصير ودخل جذيمة إلى قصرها فقطعت رواهشه وأجرت دمه إلى أن هلك في حكاية منقولة في كتب الأخباريين (قال الطبري) وكان جذيمة من أفضل ملوك العرب رأيا وأبعدهم مغارا وأشدهم حزما وأول من استجمع له الملك بأرض العراق وسرى بالجيوش وكان به برص فكنوا عنه بالوضاح اجلالا له وكانت منازله بين الحيرة والأنبار وهيت ونواحيها وعين النمر وأطراف البر إلى العمق والقطقطانية وجفنة وكانت تجبى إليه الأموال وتفد إليه الوفود وغزا في بعض الأيام طسما وجديسا في منازلهم باليمامة ووجد حسان بن تبع قد أغار عليهم فانكفأ هو راجعا بمن معه وأتت خيول حسان على سرايا فأجاحوها وكان أكثر غزو جذيمة للعرب العاربة وكان قد تكهن وادعى النبوة وكانت منازل إياد بعين اباغ سميت باسم رجل من العمالقة نزل بها وكان جذيمة كثيرا ما يغزوهم حتى طلبوا مسالمته وكان بينهم غلام من لخم من بنى أختهم وكانوا أخوالا له وهو عدى بن نضر بن ربيعة بن عمرو بن الحرث بن مسعود بن مالك بن عمرو بن نمارة بن لخم وكان له جمال وضرب وطلبه منهم جذيمة فامتنعوا من تسليمه إليه فألح عليهم بالغزو وبعثت أياد من سرق لهم صنمين كانا عند جذيمة يدعو بهما ويستسقى بهما وعرفوه أن الصنمين عندهم وانهم يردونهما بشريطة رفع الغزو عنهم فأجابهم إلى ذلك بشريطة أن يبعثوا مع الصنمين عدى بن نصر فكان ذلك ولما جاءه عدى بن نصر استخلصه لنفسه وولاه شرابه وهويته رقاش أخته فراسلته فدافعها بالخشية من جذيمة فقالت له اخطبني منه إذا أخذت الخمر منه وأشهد عليه القوم ففعل وأعرس بها من ليلته وأصبح مضرجا بالخلوق وراب جذيمة شأنه ثم أعلم بما كان منه فعض على يديه أسفا وهرب عدى فلم يظهر له أثر ثم سألها في أبيات شعر معروفة فأخبرته بما كان منه فعرف عذرها وكف وأقام عدى في أخواله إياد إلى أن هلك وولدت رقاش منه غلاما وسمته
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 254 255 256 257 259 260 261 262 263 264 265 ... » »»