تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ٢ق١ - الصفحة ٢٣٧
بالملك ويغلبون على الأقاليم والمدن والأمصار ثم يهلكهم الترفه والتنعم ويغلبون عليهم ويقتلون ويرجعون إلى باديتهم وقد هلك المتصدرون منهم للرياسة بما باشروه من الترف ونضارة العيش وتصيير الامر لغيرهم من أولئك المبعدين عنهم بعد عصور أخرى هكذا سنة الله في خلقه وللبادية منهم مع من يجاورهم من الأمم حروب ووقائع في كل عصر وجيل بما تركوا من طلب المعاش وجعلوا طلب المعاش رزقهم في معاشهم بترصد السبيل وانتهاب متاع الناس ولما استفحل الملك للعرب في الطبقة الأولى للعمالقة وفي الثانية للتبابعة وكان ذلك عن كثرتهم فكان منتشرين لذلك العهد باليمن والحجاز ثم بالعراق والشأم فلما تقلص ملكهم وكانوا بالعراق منهم بقية أقاموا ضاحين من ظل الملك يقال في مبدأ كونهم هنا لك ان بختنصر لما سلطه الله على العرب وعلى بنى إسرائيل بما كانوا من بغيهم وقتلهم الأنبياء قتل أهل الوبر بناحية عدن اليمن نبيهم شعيب بن ذي مهدم على ما وقع في تفسير قوله تعالى فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون فأوحى الله إلى ارمياء بن حزقيا وبرخيا ان يسيرا بختنصر إلى العرب الذين لا اغلاق لبيوتهم أن يقتل ولا يستحيى ويستلحمهم أجمعين ولا يبقى منهم أثرا وقال بختنصر وأنا رأيت مثل ذلك وسار إلى العرب وقد نظم ما بين إيلة والأبلة خيلا ورجلا وتسامع العرب بأقطار جزيرتهم واجتمعوا للقائه فهزم عدنان أولا ثم استلحم الباقين ورجع إلى بابل وجمع السبايا فأنزلهم بالأنبار ثم خالطهم بعد ذلك النبطة (وقال ابن الكلبي) ان بختنصر لما نادى بغزو العرب افتتح أمره بالقبض على من كان في بلاده من تجارهم للميرة وأنزلهم الحيرة ثم خرج إليهم في العساكر فرجعت قبائل منهم إليه آثروا الاذعان والمسالمة وأنزلهم بالسواد على شاطئ الفرات وابتنوا موضع عسكرهم وسموه الأنبار ثم أنزلهم الحيرة فسكنوها سائر أيامه ورجعوا إلى الأنبار بعد مهلكه (وقال الطبري) ان تبعا أبا كرب لما غزا العراق أيام أردشير بهمن كانت طريقه على جبل طيئ ومنه إلى الأنبار وانتهى إلى موضع الحيرة ليلا فتحير وأقام فسمى المكان الحيرة ثم سار لوجهه وخلف هنا لك قوما من الأزد ولخم وجذام وعاملة وقضاعة وطنوا وبنوا ولحق بهم ناس من طيئ وكلب والسكون وإياد والحرث بن كعب فكانوا معهم (وقيل) وهو قريب من الأول خرج تبع في العرب حتى تحيروا بظاهر الكوفة فنزل بها ضعفاء الناس فسميت الحيرة ولما رجع ووجدهم قد استوطنوا تركهم هنالك وفيهم من كل قبائل العرب من هذيل ولخم وجعفى وطيئ وكلب وبنى لحيان من جرهم (قال هشام بن محمد) لما مات بختنصر انتقل الذين أسكنهم بالحيرة إلى الأنبار ومعهم من انضم إليهم من بنى إسماعيل وبنى معد وانقطعت طوالع العرب من اليمن عنهم ثم كثر أولاد
(٢٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 ... » »»