تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٩٥
في الهواء وخوارق الولي دون ذلك كتكثير القليل والحديث عن بعض المستقبل وأمثاله مما هو قاصر عن تصريف الأنبياء ويأتي النبي بجميع خوارقه ولا يقدر هو على مثل خوارق الأنبياء وقد قرر ذلك المتصوفة فيما كتبوه في طريقتهم ولقنوه عمن أخبرهم وإذا تقرر ذلك فاعلم أن أعظم المعجزات وأشرفها وأوضحها دلالة القرآن الكريم المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإن الخوارق في الغالب تقع مغايرة للوحي الذي يتلقاه النبي ويأتي بالمعجزة شاهدة بصدقه والقرآن هو بنفسه الوحي المدعى وهو الخارق المعجز فشاهده في عينه ولا يفتقر إلى دليل مغاير له كسائر المعجزات مع الوحي فهو أوضح دلالة لاتحاد الدليل والمدلول فيه وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم ما من نبي من الأنبياء إلا وأتي من الآيات ما مثله امن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحي إلي فأنا أرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة يشير إلى أن المعجزة متى كانت بهذه المثابة في الوضوح وقوة الدلالة وهو كونها نفس لوحي كان الصدق لها أكثر لوضوحها فكثر المصدق المؤمن وهو التابع ولأمة ولنذكر الآن تفسير حقيقة النبوءة على ما شرحه كثير من المحققين ثم نذكر حقيقة الكهانة ثم الرؤيا ثم شان العرافين وغير ذلك من مدارك الغيب فنقول إعلم. أرشدنا الله وإياك أنا نشاهد هذا العالم بما فيه من المخلوقات كلها على هيئة من الترتيب والاحكام وربط الأسباب بالمسببات واتصال الأكوان بالأكوان واستحالة بعض الموجودات إلى بعض لا تنقضي عجائبه في ذلك ولا تنتهي غاياته وأبدأ من ذلك بالعالم المحسوس الجثماني وأولا عالم العناصر المشاهدة كيف تدرج صاعدا من الأرض إلى الماء ثم إلى الهواء ثم إلى النار متصلا بعضها ببعض وكل واحد منها مستعد إلى أن يستحيل إلى ما يليه صاعدا وهابطا ويستحيل بعض الأوقات والصاعد منها ألطف مما قبله إلى أن ينتهي إلى عالم الأفلاك وهو ألطف من الكل على طبقات اتصل بعضها ببعض على هيئة لا يدرك الحس منها إلا الحركات فقط وبها
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»