تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٨٤
من الحيوانات وذلك أن هذا اللون شمل أهل الإقليم الأول والثاني من مزاج هوائهم للحرارة المتضاعفة بالجنوب فإن الشمس تسامت رؤوسهم مرتين في كل سنة قريبة إحداهما من الأخرى فتطول المسامتة عامة الفصول فيكثر الضوء لاجلها ويلح القيظ الشديد عليهم وتسود جلودهم لافراط الحر ونظير هذين الإقليمين مما يقابلهما من الشمال الإقليم السابع والسادس شمل سكانهما أيضا البياض من مزاج هوائهم للبرد المفرط بالشمال إذ الشمس لا تزال بأفقهم في دائرة مرأى العين أو ما قرب منها ولا ترتفع إلى المسامتة ولا ما قرب منها فيضعف الحر فيها ويشتد البرد عامة الفصول فتبيض ألوان أهلها وتنتهي إلى الزعورة ويتبع ذلك ما يقتضيه مزاج البرد المفرط من زرقة العيون وبرش الجلود وصهوبة الشعور وتوسطت بينهما الأقاليم الثلاثة الخامس والرابع والثالث فكان لها في الاعتدال الذي هو مزاج المتوسط حظ وافر والرابع أبلغها في الاعتدال غاية لنهايته في التوسط كما قدمناه فكان لأهله من الاعتدال في خلقهم وخلقهم ما اقتضاه مزاج أهويتهم وتبعه من جانبيه الثالث والخامس وإن لم يبلغا غاية التوسط لميل هذا قليلا إلى الجنوب الحار وهذا قليلا إلى الشمال البارد إلا أنهما لم ينتهيا إلى الانحراف وكانت الأقاليم الأربعة منحرفة وأهلها كذلك في خلقهم وخلقهم فالأول والثاني للحر والسواد والسابع للبرد والبياض ويسمى سكان الجنوب من الإقليمين الأول والثاني باسم الحبشة والزنج والسودان أسماء مترادفة على الأمم المتغيرة بالسواد وإن كان اسم الحبشة مختصا منهم بمن تجاه مكة واليمن والزنج بمن تجاه بحر الهند وليست هذه الأسماء لهم من أجل انتسابهم إلى آدمي أسود لا حام ولا غيره وقد نجد من السودان أهل الجنوب من يسكن الربع المعتدل أو السابع المنحرف إلى البياض فتبيض ألوان أعقابهم على التدريج مع الأيام وبالعكس فيمن يسكن من أهل الشمال أو الرابع بالجنوب فتسود ألوان أعقابهم وفي ذلك دليل على أن اللون تابع لمزاج الهواء قال ابن سينا في أرجوزته في الطب بالزنج حر غير الأجسادا * حتى كسا جلودها سوادا والصقلب اكتسب البياضا * حتى غدت جلودها بصاضا
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»