تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٥٣٦
تشغيب بالشبهات في ذهنك فاطرح ذلك وانتبذ حجب الألفاظ وعوائق الشبهات واترك الامر الصناعي جملة واخلص إلى فضاء الفكر الطبيعي الذي فطرت عليه وسرح نظرك فيه وفرغ ذهنك فيه للغوص على مرامك منه واضعا لها حيث وضعها أكابر النظار قبلك مستعرضا للفتح من الله كما فتح عليهم من ذهنهم من رحمته وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون فإذا فعلت ذلك أشرقت عليك أنوار الفتح من الله بالظفر بمطلوبك وحصل الامام الوسط الذي جعله الله من مقتضيات هذا الفكر ونظره عليه كما قلناه وحينئذ فارجع به إلى قوالب الأدلة وصورها فأفرغه فيها ووفه حقه من القانون الصناعي ثم اكسه صور الألفاظ وأبرزه إلى عالم الخطاب والمشافهة وثيق العرى صحيح البنيان. وأما إن وقفت عند المناقشة والشبهة في الأدلة الصناعية وتمحيص صوابها من خطائها وهذه أمور صناعية وضعية تستوي جهاتها المتعددة لاجل الوضع والاصطلاح فلا تتميز جهة الحق منها إذ جهة الحق إنما تستبين إذا كانت بالطبع فيستمر ما حصل من الشك والارتياب وتسدل الحجب على المطلوب وتقعد بالناظر عن تحصيله وهذا شأن الأكثرين من النظار والمتأخرين سيما من سبقت له عجمة في لسانه فربطت عن ذهنه ومن حصل له شغب بالقانون المنطقي تعصب له فاعتقد أنه الذريعة إلى إدراك الحق بالطبع فيقع في الحيرة بين شبه الأدلة وشكوكها ولا يكاد يخلص منها والذريعة إلى إدراك الحق بالطبع إنما هو الفكر الطبيعي كما قلناه إذا جرد عن جميع الأوهام وتعرض الناظر فيه إلى رحمة الله تعالى وأما المنطق فإنما هو واصف لفعل هذا الفكر فيساوقه في الأكثر فاعتبر ذلك واستمطر رحمة الله تعالى متى أعوزك فهم المسائل تشرق عليك أنواره بالالهام إلى الصواب والله الهادي إلى رحمته وما العلم إلا من عند الله الفصل الثلاثون في أن العلوم الإلهية لا توسع فيها الانظار ولا تفرع المسائل إعلم أن العلوم المتعارفة بين أهل العمران على صنفين علوم مقصودة بالذات كالشرعيات من التفسير والحديث والفقه وعلم الكلام وكالطبيعيات والإلهيات
(٥٣٦)
مفاتيح البحث: الوسعة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 531 532 533 534 535 536 537 538 539 540 541 ... » »»