الحر عند المسامتة وما يقرب منها أكثر منه فيما بعد لان الضوء سبب الحر والتسخين ثم إن المسامتة في خط الاستواء تكون مرتين في السنة عند نقطتي الحمل والميزان وإذا مالت فغير بعيد ولا يكاد الحر يعتدل في آخر ميلها عند رأس السرطان والجدي إلا إن صعدت إلى المسامتة فتبقى الأشعة القائمة الزوايا تلح على ذلك الأفق ويطول مكثها أو يدوم فيشتعل الهواء حرارة ويفرط في شدتها وكذا ما دامت الشمس تسامت مرتين فيما بعد خط الاستواء إلى عرض أربع وعشرين فإن الأشعة ملحة على الأفق في ذلك بقريب من إلحاحها في خط الاستواء وإفراط الحر يفعل في الهواء تجفيفا ويبسا يمنع ما التكوين لأنه إذا أفرط الحر جفت المياه والرطوبات وفسد التكوين في المعدن والحيوان والنبات إذ التكوين لا يكون إلا بالرطوبة ثم إذا مال رأس السرطان عن سمت الرؤوس في عرض خمس وعشرين فما بعده نزلت الشمس عن المسامتة فيصير الحر إلى الاعتدال أو يميل عنه ميلا قليلا فيكون التكوين ويتزايد على التدريج إلى أن يفرط البرد في شدته لقلة الضوء وكون الأشعة منفرجة الزوايا فينقص التكوين ويفسد بيد أن فساد التكوين من جهة شدة الحر أعظم منه من جهة شدة البرد لان الحر أسرع تأثيرا في التجفيف من تأثير البرد في الجمد فلذلك كان العمران في الإقليم الأول والثاني قليلا وفي الثالث والرابع والخامس متوسطا لاعتدال الحر بنقصان الضوء وفي السادس والسابع كثيرا لنقصان الحر وأن كيفية البرد لا تؤثر عند أولها في فساد التكوين كما يفعل الحر إذ لا تجفيف فيها إلا عند الافراط بما يعرض لها حينئذ من اليبس كما بعد السابع فلهذا كان العمران في الربع الشمالي أكثر وأوفر والله أعلم. ومن هنا أخذ الحكماء خلاء خط الاستواء وما وراءه وأورد عليهم أنه معمور بالمشاهدة والأخبار المتواترة فكيف يتم البرهان على ذلك والظاهر أنهم لم يريدوا امتناع العمران فيه بالكلية إنما أداهم البرهان إلى أن فساد التكوين فيه قوى بإفراط الحر والعمران فيه إما ممتنع أو ممكن أقلي وهو كذلك فإن خط الاستواء والذي وراءه وإن كان فيه عمران كما نقل فهو قليل جدا. وقد زعم ابن رشد أن خط الاستواء معتدل وأن ما وراءه في الجنوب بمثابة ما وراءه في الشمال فيعمر منه ما
(٥١)