تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٤٠
كلمات حكمية سياسية ارتبط بعضها ببعض وارتدت أعجازها إلى صدورها واتصلت في دائرة لا يتعين طرفها فخر بعثوره عليها وعظم من فوائدها. وأنت إذا تأملت كلامنا في فصل الدول والملك وأعطيته حقه من التصفح والتفهم عثرت في أثنائه على تفسير هذه الكلمات وتفصيل إجمالها مستوفى بينا بأوعب بيان وأوضح دليل وبرهان أطلعنا الله عليه من غير تعليم أرسطو ولا إفادة. موبذان وكذلك تجد في كلام ابن المقفع وما يستطرد في رسائله من ذكر السياسات الكثير من مسائل كتابنا هذا غيره برهنة كما برهناه إنما يجليها في الذكر على منحى الخطابة في أسلوب الترسل وبلاغة الكلام وكذلك حوم القاضي أبو بكر الطرطوشي في كتاب سراج الملوك وبوبه على أبواب تقرب من أبواب كتابنا هذا ومسائله لكنه لم يصادف فيه الرمية ولا أصاب الشاكلة ولا استوفى المسائل ولا أوضح الأدلة إنما يبوب الباب للمسألة ثم يستكثر من الأحاديث والآثار وينقل كلمات متفرقة لحكماء الفرس مثل بزرجمهر والموبذان وحكماء الهند والمأثور عن دانيال وهرمس وغيرهم من أكابر الخليقة ولا يكشف عن التحقيق قناعا ولا يرفع البراهين الطبيعية حجابا إنما هو نقل وتركيب شبيه بالمواعظ وكأنه حوم على الغرض ولم يصادفه ولا تحقق قصده ولا استوفى مسائله ونحن ألهمنا الله إلى ذلك إلهاما وأعثرنا على علم جعلنا بين نكرة وجهينة خبره فإن كنت قد استوفيت مسائله وميزت عن سائر الصنائع أنظاره وأنحاءه فتوفيق من الله وهداية وإن فاتني شئ في إحصائه واشتبهت بغيره فللناظر المحقق إصلاحه ولي الفضل لأني نهجت له السبيل وأوضحت له الطريق والله يهدي بنوره من يشاء. ونحن الآن نبين في هذا الكتاب، ما يعرض للبشر في اجتماعهم من أحوال العمران في الملك والكسب والعلوم والصنائع بوجوه برهانية يتضح بها التحقيق في معارف الخاصة والعامة وتندفع بها الأوهام وترفع الشكوك. ونقول لما كان الانسان متميزا عن سائر الحيوانات بخواص اختص بها فمنها العلوم والصنائع التي هي نتيجة الفكر الذي تميز به عن الحيوانات وشرف بوصفه على المخلوقات ومنها الحاجة إلى الحكم الوازع والسلطان القاهر إذ لا يمكن وجوده دون ذلك من بين الحيوانات كلها إلا ما يقال عن النحل والجراد وهذه وإن كان لها
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»