في استخراج علوم اليونانيين وانتساخها بالخط العربي وبعث المترجمين لذلك فأوعى منه واستوعب وعكف عليها النظار من أهل الاسلام وحذقوا في فنونها وانتهت إلى الغاية أنظارهم فيها وخالفوا كثيرا من آراء المعلم الأول واختصوه بالرد والقبول لوقوف الشهرة عنده ودونوا في ذلك الدواوين وأربوا على من تقدمهم في هذه العلوم وكان من أكابرهم في الملة أبو نصر الفارابي وأبو علي بن سينا بالمشرق وا لقاضي أبو الوليد بن رشد والوزير أبو بكر بن الصائغ بالأندلس إلى آخرين بلغوا الغاية في هذه العلوم واختص هؤلاء بالشهرة والذكر واقتصر كثيرون على انتحال التعاليم وما ينضاف إليها من علوم النجامة والسحر والطلسمات ووقفت الشهرة في هذا المنتحل على مسلمة بن أحمد المجريطي من أهل الأندلس وتلميذه ودخل على الملة من هذه العلوم وأهلها داخلة واستهوت الكثير من الناس بما جنحوا إليها وقلدوا آراءها والذنب في ذلك لمن ارتكبه ولو شاء الله ما فعلوه. ثم إن المغرب والأندلس لما ركدت ريح العمران بهما وتناقصت العلوم بتناقصه اضمحل ذلك منهما إلا قليلا من رسومه تجدها في تفاريق من الناس وتحت رقبة من علماء السنة ويبلغنا عن أهل المشرق أن بضائع هذه العلوم لم تزل عندهم موفورة وخصوصا في عراق العجم وما بعده فيما وراء النهر وأنهم على بح من العلوم العقلية لتوفر عمرانهم واستحكام الحضارة فيهم ولقد وقفت بمصر على تآليف متعددة لرجل من عظماء هراة من بلاد خراسان يشهر بسعد الدين التفتازاني منها في علم الكلام وأصول الفقه والبيان تشهد بان له ملكة راسخة في هذه العلوم وفي أثنائها ما يدل على أن له اطلاعا على العلوم الحكمية وقدما عالية في سائر الفنون العقلية والله يؤيد بنصره من يشاء كذلك بلغنا لهذا العهد أن هذه العلوم الفلسفية ببلاد الإفرنجة من أرض رومة وما إليها من العدوة الشمالية نافقة الأسواق وأن رسومها هناك متجددة ومجالس تعليمها متعددة ودواوينها جامعة متوفرة وطلبتها متكثرة والله أعلم بما هنالك وهو يخلق ما يشاء ويختار
(٤٨١)